الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            الحجة التاسعة : أن نقول : قراءة التسمية قبل الفاتحة واجبة ، فوجب أن تكون آية منها ، بيان الأول أن أبا حنيفة يسلم أن قراءتها أفضل ، وإذا كان كذلك فالظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها ، فوجب أن يجب علينا قراءتها لقوله تعالى : ( واتبعوه ) [ الأعراف : 158 ] وإذا ثبت وجوب قراءتها ثبت أنها من السورة ؛ لأنه لا قائل بالفرق .

                                                                                                                                                                                                                                            الحجة العاشرة : قوله عليه السلام : كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر أو أجذم ، وأعظم الأعمال بعد الإيمان بالله الصلاة ، فقراءة الفاتحة فيها بدون قراءة بسم الله يوجب كون هذه الصلاة بتراء ، ولفظ الأبتر يدل على غاية النقصان والخلل ، بدليل أنه تعالى ذكره في معرض الذم للكافر الذي كان عدوا للرسول عليه السلام فقال : ( إن شانئك هو الأبتر ) [ الكوثر : 3 ] فلزم أن يقال : الصلاة الخالية عن قراءة بسم الله الرحمن الرحيم تكون في غاية النقصان والخلل ، وكل من أقر بهذا الخلل والنقصان قال بفساد هذه الصلاة ، وذلك يدل على أنها من الفاتحة وأنه يجب قراءتها .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 164 ] الحجة الحادية عشرة : ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب : ما أعظم آية في كتاب الله تعالى ؟ فقال : بسم الله الرحمن الرحيم ، فصدقه النبي عليه السلام في قوله . وجه الاستدلال أن هذا الكلام يدل على أن هذا القدر آية ، ومعلوم أنها ليست آية تامة في قوله : ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) بل هذا بعض آية ، فلا بد وأن يكون آية تامة في غير هذا الموضع ، وكل من قال بذلك قال : إنه آية تامة في أول سورة الفاتحة .

                                                                                                                                                                                                                                            الحجة الثانية عشرة : إن معاوية قدم المدينة ، فصلى بالناس صلاة يجهر فيها ، فقرأ أم القرآن ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، فلما قضى صلاته ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية : أنسيت ؟ أين بسم الله الرحمن الرحيم حين استفتحت القرآن ؟ فأعاد معاوية الصلاة وقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، وهذا الخبر يدل على إجماع الصحابة رضي الله عنهم على أنه من القرآن ومن الفاتحة ، وعلى أن الأولى الجهر بقراءتها .

                                                                                                                                                                                                                                            الحجة الثالثة عشرة : أن سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا عند الشروع في أعمال الخير يبتدئون بذكر بسم الله ، فوجب أن يجب على رسولنا صلى الله عليه وسلم ذلك ، وإذا ثبت هذا الوجوب في حق الرسول ثبت أيضا في حقنا ، وإذا ثبت الوجوب في حقنا ثبت أنه آية من سورة الفاتحة ، أما المقدمة الأولى : فالدليل عليها أن نوحا عليه السلام لما أراد ركوب السفينة قال : ( اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ) [ هود : 41 ] وأن سليمان لما كتب إلى بلقيس كتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فإن قالوا : أليس أن قوله تعالى : ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) [ النمل : 30 ] يدل على أن سليمان قدم اسم نفسه على اسم الله تعالى ؟ قلنا : معاذ الله أن يكون الأمر كذلك ، وذلك لأن الطير أتى بكتاب سليمان ووضعه على صدر بلقيس ، وكانت المرأة في بيت لا يقدر أحد على الدخول فيه لكثرة من أحاط بذلك البيت من العساكر والحفظة ، فعلمت بلقيس أن ذلك الطير هو الذي أتى بذلك الكتاب ، وكانت قد سمعت باسم سليمان ، فلما أخذت الكتاب قالت هي من عند نفسها : إنه من سليمان ، فلما فتحت الكتاب رأت التسمية مكتوبة ، فقالت : وإنه بسم الله الرحمن الرحيم . فثبت أن الأنبياء عليهم السلام كلما شرعوا في عمل من أعمال الخير ابتدءوا بذكر بسم الله الرحمن الرحيم . والمقدمة الثانية : أنه لما ثبت هذا في حق سائر الأنبياء وجب أن يجب على رسولنا ذلك ؛ لقوله تعالى : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) [ الأنعام : 90 ] وإذا ثبت ذلك في حق الرسول وجب أن يجب علينا ذلك ؛ لقوله تعالى : ( واتبعوه ) [ الأعراف : 158 ] وإذا ثبت وجوب قراءته علينا ثبت أنه آية من الفاتحة ؛ لأنه لا قائل بالفرق .

                                                                                                                                                                                                                                            الحجة الرابعة عشرة : أنه تعالى متقدم بالوجود على وجود سائر الموجودات ؛ لأنه تعالى قديم وخالق ، وغيره محدث ومخلوق ، والقديم الخالق يجب أن يكون سابقا على المحدث المخلوق ، وإذا ثبت أنه تعالى سابق على غيره وجب بحكم المناسبة العقلية أن يكون ذكره سابقا على ذكر غيره ، وهذا السبق في الذكر لا يحصل إلا إذا كان قراءة بسم الله الرحمن الرحيم سابقة على سائر الأذكار والقراءات ، وإذا ثبت أن القول بوجوب هذا التقدم حسن في العقول وجب أن يكون معتبرا في الشرع ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وإذا ثبت وجوب القراءة ثبت أيضا أنها آية من الفاتحة ؛ لأنه لا قائل بالفرق .

                                                                                                                                                                                                                                            الحجة الخامسة عشرة : أن بسم الله الرحمن الرحيم لا شك أنه من القرآن في سورة النمل ، ثم إنا نراه [ ص: 165 ] مكررا بخط القرآن ، فوجب أن يكون من القرآن ، كما أنا لما رأينا قوله تعالى : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) من سورة الرحمن ، وقوله تعالى : ( ويل يومئذ للمكذبين ) من سورة المرسلات ، مكررا في القرآن بخط واحد وصورة واحدة ، قلنا : إن الكل من القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية