الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السابعة :

                                                                                                                                                                                                                                            إذا جاء فعلان معطوفا أحدهما على الآخر وجاء بعدهما اسم صالح لأن يكون معمولا لهما فهذا على قسمين ؛ لأن الفعلين : إما أن يقتضيا عملين متشابهين أو مختلفين ، وعلى التقديرين فإما أن يكون الاسم المذكور بعدهما واحدا أو أكثر فهذه أقسام أربعة :

                                                                                                                                                                                                                                            القسم الأول : أن يذكر فعلان يقتضيان عملا واحدا ، ويكون المذكور بعدهما اسما واحدا ، كقولك : قام وقعد زيد ، فزعم الفراء أن الفعلين جميعا عاملان في زيد ، والمشهور أنه لا يجوز : لأنه يلزم تعليل الحكم الواحد بعلتين ، ممتنع في المؤثرات ، أما في المعرفات فجائز ، وأجيب عنه بأن المعرف يوجب المعرفة ، فيعود الأمر إلى اجتماع المؤثرين في الأثر الواحد .

                                                                                                                                                                                                                                            القسم الثاني : إذا كان الاسم غير مفرد وهو كقولك : قام وقعد أخواك ، فههنا : إما أن ترفعه بالفعل الأول ، أو بالفعل الثاني ، فإن رفعته بالأول قلت : قام وقعدا أخواك ؛ لأن التقدير : قام أخواك وقعدا ، أما إذا أعملت الثاني جعلت في الفعل الأول ضمير الفاعل ؛ لأن الفعل لا يخلو من فاعل مضمر أو مظهر ، تقول : قاما وقعد أخواك ، وعند البصريين إعمال الثاني أولى ، وعند الكوفيين إعمال الأول أولى .

                                                                                                                                                                                                                                            حجة البصريين أن إعمالهما معا ممتنع ، فلا بد من إعمال أحدهما ، والقرب مرجح ، فإعمال الأقرب أولى ، وحجة الكوفيين إذا أعملنا الأقرب وجب إسناد الفعل المتقدم إلى الضمير ، ويلزم حصول الإضمار قبل الذكر ، وذلك أولى بوجوب الاحتراز عنه .

                                                                                                                                                                                                                                            القسم الثالث : ما إذا اقتضى الفعلان تأثيرين متناقضين ، وكان الاسم المذكور بعدهما مفردا ، فيقول البصريون : إن إعمال الأقرب أولى خلافا للكوفيين ، حجة البصريين وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قوله تعالى : ( آتوني أفرغ عليه قطرا ) [ الكهف : 96 ] فحصل ههنا فعلان كل واحد منهما يقتضي مفعولا ؛ فإما أن يكون الناصب لقوله قطرا هو قوله آتوني أو أفرغ ، والأول باطل وإلا صار التقدير : آتوني قطرا ، وحينئذ كان يجب أن يقال : أفرغه عليه ، ولما لم يكن كذلك علمنا أن الناصب لقولك : قطرا هو قوله : أفرغ .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : قوله تعالى : ( هاؤم اقرءوا كتابيه ) [ الحاقة : 19 ] فلو كان العامل هو الأبعد لقيل : هاؤم اقرءوه ، وأجاب الكوفيون عن هذين الدليلين بأنهما يدلان على جواز إعمال الأقرب ، وذلك لا نزاع فيه ، وإنما النزاع في أنا نجوز إعمال الأبعد ، وأنتم تمنعونه ، وليس في الآية ما يدل على المنع .

                                                                                                                                                                                                                                            الحجة الثالثة للبصريين أنه يقال : ما جاءني من أحد فالفعل رافع ، والحرف جار ، ثم يرجح الجار ؛ لأنه هو الأقرب .

                                                                                                                                                                                                                                            الحجة الرابعة : أن إهمالهما وإعمالهما لا يجوز ولا بد من الترجيح ، والقرب مرجح ، فإعمال الأقرب أولى .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 57 ] واحتج الكوفيون بوجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول أنا بينا أن الاسم المذكور بعد الفعلين إذا كان مثنى أو مجموعا فإعمال الثاني يوجب في الأول الإضمار قبل الذكر وأنه لا يجوز ، فوجب القول بإعمال الأول هناك ، فإذا كان الاسم مفردا وجب أن يكون الأمر كذلك طردا للباب .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن الفعل الأول وجد معمولا خاليا عن العائق : لأن الفعل لا بد له من مفعول ، والفعل الثاني وجد المعمول بعد أن عمل الأول فيه ، وعمل الأول فيه عائق عن عمل الثاني فيه ، ومعلوم أن إعمال الخالي عن العائق أولى من إعمال العامل المقرون بالعائق .

                                                                                                                                                                                                                                            القسم الرابع : إذا كان الاسم المذكور بعد الفعلين مثنى أو مجموعا فإن أعملت الفعل الثاني قلت : ضربت وضربني الزيدان ، وضربت وضربني الزيدون ، وإن أعملت الأول قلت : ضربت وضرباني الزيدين وضربت وضربوني الزيدين .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية