الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة :

                                                                                                                                                                                                                                            في تعريف الاسم : الناس ذكروا فيه وجوها :

                                                                                                                                                                                                                                            التعريف الأول :

                                                                                                                                                                                                                                            أن الاسم هو الذي يصح الإخبار عن معناه ، واعلم أن صحة الإخبار عن ماهية [ ص: 39 ] الشيء حكم يحصل له بعد تمام ماهيته فيكون هذا التعريف من باب الرسوم لا من باب الحدود ، والإشكال عليه من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن الفعل والحرف يصح الإخبار عنهما ، والثاني : أن " إذا وكيف وأين " لا يصح الإخبار عنها ، وقد سبق تقرير هذين السؤالين .

                                                                                                                                                                                                                                            التعريف الثاني :

                                                                                                                                                                                                                                            أن الاسم هو الذي يصح أن يأتي فاعلا أو مفعولا أو مضافا ، واعلم أن حاصله يرجع إلى أن الاسم هو الذي يصح الإخبار عنه .

                                                                                                                                                                                                                                            التعريف الثالث :

                                                                                                                                                                                                                                            أن الاسم كلمة تستحق الإعراب في أول الوضع ، وهذا أيضا رسم ؛ لأن صحة الإعراب حالة طارئة على الاسم بعد تمام الماهية ، وقولنا في أول الوضع احتراز عن شيئين :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : المبنيات فإنها لا تقبل الإعراب بسبب مناسبة بينها وبين الحروف ، ولولا هذه المناسبة لقبلت الإعراب .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن المضارع معرب ، لكن لا لذاته بل بسبب كونه مشابها للاسم ، وهذا التعريف أيضا ضعيف .

                                                                                                                                                                                                                                            التعريف الرابع :

                                                                                                                                                                                                                                            قال الزمخشري في المفصل : الاسم ما دل على معنى في نفسه دلالة مجردة عن الاقتران . واعلم أن هذا التعريف مختل من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه قال في تعريف الكلمة أنها اللفظ الدال على معنى مفرد بالوضع ، ثم ذكر فيما كتب من حواشي المفصل أنه إنما وجب ذكر اللفظ ؛ لأنا لو قلنا : " الكلمة هي الدالة على المعنى " لانتقض بالعقد والخط والإشارة كذلك مع أنها ليست أسماء .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن الضمير في قوله " في نفسه " إما أن يكون عائدا إلى الدال أو إلى المدلول أو إلى شيء ثالث ، فإن عاد إلى الدال صار التقدير : الاسم ما دل على معنى حصل في الاسم ، فيصير المعنى : الاسم ما دل على معنى هو مدلوله ، وهذا عبث ، ثم مع ذلك فينتقض بالحرف والفعل ، فإنه لفظ يدل على مدلوله وإن عاد إلى المدلول صار التقدير : الاسم ما دل على معنى حاصل في نفس ذلك المعنى ، وذلك يقتضي كون الشيء حاصلا في نفسه وهو محال ، فإن قالوا : معنى كونه حاصلا في نفسه أنه ليس حاصلا في غيره ، فنقول : فعلى هذا التفسير ينتقض الحد بأسماء الصفات والنسب ، فإن تلك المسميات حاصلة في غيرها .

                                                                                                                                                                                                                                            التعريف الخامس :

                                                                                                                                                                                                                                            أن يقال : الاسم كلمة دالة على معنى مستقل بالمعلومية من غير أن يدل على الزمان المعين الذي وقع فيه ذلك المعنى ، وإنما ذكرنا الكلمة ليخرج الخط والعقد والإشارة ، فإن قالوا : لم لم يقولوا : لفظة دالة على كذا وكذا ؟ قلنا : لأنا جعلنا اللفظ جنسا للكلمة ، والكلمة جنس للاسم ، والمذكور في الحد هو الجنس القريب لا البعيد ، وأما شرط الاستقلال بالمعلومية فقيل : إنه باطل طردا وعكسا ، أما الطرد فمن وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : إن كل ما كان معلوما فإنه لا بد وأن يكون مستقلا بالمعلومية : لأن الشيء ما لم تتصور ماهيته امتنع أن يتصور مع غيره ، وإذا كان تصوره في نفسه متقدما على تصوره مع غيره كان مستقلا بالمعلومية .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن مفهوم الحرف يستقل بأن يعلم كونه غير مستقل بالمعلومية ، وذلك استقلال .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أن النحويين اتفقوا على أن الباء تفيد الإلصاق ، ومن تفيد التبعيض فمعنى الإلصاق إن كان مستقلا بالمعلومية وجب أن يكون المفهوم من الباء مستقلا بالمعلومية فيصير الحرف اسما ، وإن كان غير مستقل بالمعلومية كان المفهوم من الإلصاق غير مستقل بالمعلومية ، فيصير الاسم حرفا ، وأما العكس فهو أن قولنا " كم وكيف ومتى وإذا " وما الاستفهامية والشرطية كلها أسام مع أن مفهوماتها غير مستقلة ، وكذلك الموصولات .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : إن قولنا : " من غير دلالة على زمان ذلك المعنى " يشكل بلفظ الزمان وبالغد وباليوم وبالاصطباح وبالاغتباق ، والجواب عن [ ص: 40 ] السؤال الأول : أنا ندرك تفرقة بين قولنا : الإلصاق وبين حرف الباء في قولنا " كتبت بالقلم " فنريد بالاستقلال هذا القدر . فأما لفظ الزمان واليوم والغد فجوابه أن مسمى هذه الألفاظ نفس الزمان ، ولا دلالة منها على زمان آخر لمسماه . وأما الاصطباح والاغتباق فجزؤه الزمان ، والفعل هو الذي يدل على زمان خارج عن المسمى والذي يدل على ما تقدم قولهم : اغتبق يغتبق فأدخلوا الماضي والمستقبل على الاصطباح والاغتباق .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية