الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السادسة والعشرون :

                                                                                                                                                                                                                                            لو سميت رجلا بأحمر لم تصرفه بالاتفاق لاجتماع العلمية ووزن الفعل ، أما إذا نكرته فقال سيبويه : لا أصرفه ، وقال الأخفش : أصرفه . واعلم أن الجمهور يقولون في تقرير مذهب سيبويه على ما يحكى أن المازني قال : قلت للأخفش : كيف قلت : مررت بنسوة أربع . فصرفت مع وجود الصفة ووزن الفعل ؟ قال : لأن أصله الاسمية ، فقلت : فكذا لا تصرف أحمر اسم رجل إذا نكرته لأن أصله الوصفية . قال المازني : فلم يأت الأخفش بمقنع ، وأقول : كلام المازني ضعيف : لأن الصرف ثبت على وفق الأصل في قوله : " مررت بنسوة أربع " لأنه يكفي عود الشيء إلى حكم الأصل أدنى سبب [ ص: 52 ] بخلاف المنع من الصرف : فإنه على خلاف الأصل فلا يكفي فيه إلا السبب القوي ، وأقول : الدليل على صحة مذهب سيبويه أنه حصل فيه وزن الفعل والوصفية الأصلية فوجب كونه غير منصرف ، أما المقدمة الأولى فهي إنما تتم بتقرير ثلاثة أشياء :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : ثبوت وزن الفعل وهو ظاهر .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : الوصفية والدليل عليه أن العلم إذا نكر صار معناه الشيء الذي يسمى بذلك الاسم ، فإذا قيل : " رب زيد رأيته " كان معناه رب شخص مسمى باسم زيد رأيته ، ومعلوم أن كون الشخص مسمى بذلك الاسم صفة لا ذات .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : أن الوصفية أصلية ، والدليل عليه أن لفظ الأحمر حين كان وصفا معناه الاتصاف بالحمرة ، فإذا جعل علما ثم نكر كان معناه كونه مسمى بهذا الاسم ، وكونه كذلك صفة إضافية عارضة له ، فالمفهومان اشتركا في كون كل واحد منهما صفة إلا أن الأول يفيد صفة حقيقية ، والثاني يفيد صفة إضافية ، والقدر المشترك بينهما كونه صفة ، فثبت بما ذكرنا أنه حصل فيه وزن الفعل والوصفية الأصلية فوجب كونه غير منصرف لما ذكرناه .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : يشكل ما ذكرتم بالعلم الذي ما كان وصفا فإنه عند التنكير ينصرف مع أنه عند التنكير يفيد الوصفية بالبيان الذي ذكرتم .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : إنه وإن صار عند التنكير وصفا إلا أن وصفيته ليست أصلية ؛ لأنها ما كانت صفة قبل ذلك بخلاف الأحمر : فإنه كان صفة قبل ذلك ، والشيء الذي يكون في الحال صفة مع أنه كان قبل ذلك صفة كان أقوى في الوصفية مما لا يكون كذلك ، فظهر الفرق .

                                                                                                                                                                                                                                            واحتج الأخفش بأن المقتضي للصرف قائم وهو الاسمية ، والعارض الموجود لا يصح معارضا ؛ لأنه علم منكر والعلم المنكر موصوف بوصف كونه منكرا ، والموصوف باق عند وجود الصفة ، فالعلمية قائمة في هذه الحالة ، والعلمية تنافي الوصفية ، فقد زالت الوصفية فلم يبق سوى وزن الفعل ، والسبب الواحد لا يمنع من الصرف . والجواب : أنا بينا بالدليل العقلي أن العلم إذا جعل منكرا صار وصفا في الحقيقة فسقط هذا الكلام .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية