الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الحادية عشرة :

                                                                                                                                                                                                                                            تفرع على الاختلاف المذكور مسألة فقهية وهي أولى مسائل أيمان الجامع الكبير لمحمد بن الحسن رحمه الله تعالى ، وهي أن الرجل إذا قال لامرأته التي لم يدخل بها : إن كلمتك فأنت طالق ثلاث مرات ، قالوا عن ذكر هذا الكلام في المرة الثانية : طلقت طلقة واحدة ، وهل تنعقد هذه الثانية طلقة ؟ قال أبو حنيفة وصاحباه : تنعقد ، وقال زفر : لا تنعقد . وحجة زفر أنه لما قال في المرة الثانية إن كلمتك فعند هذا القدر من الكلام حصل الشرط : لأن اسم الكلام اسم لكل ما أفاد شيئا ، سواء أفاد فائدة تامة أو لم يكن كذلك ، وإذا حصل الشرط حصل الجزاء وطلقت عند قوله إن كلمتك ، فوقع تمام قوله " أنت طالق " خارج تمام ملك النكاح ، وغير مضاف إليه ، فوجب أن لا تنعقد .

                                                                                                                                                                                                                                            وحجة أبي حنيفة أن الشرط - وهو قوله إن كلمتك - غير تام ، والكلام اسم للجملة التامة ، فلم يقع الطلاق إلا عند تمام قوله : إن كلمتك فأنت طالق ، وحاصل الكلام أنا إن قلنا إن اسم الكلام يتناول الكلمة الواحدة كان القول قول زفر ، وإن قلنا : لا يتناول إلا الجملة فالقول قول أبي حنيفة ، ومما يقوي قول زفر أنه لو قال في المرة الثانية : "إن كلمتك " وسكت عليه ولم يذكر بعده قوله " فأنت طالق " طلقت ولولا أن هذا القدر كلام وإلا لما طلقت .

                                                                                                                                                                                                                                            ومما يقوي قول أبي حنيفة أنه لو قال : " كلما كلمتك فأنت طالق " ثم ذكر هذه الكلمة في المرة الثانية فكلمة " كلما " توجب التكرار فلو كان التكلم بالكلمة الواحدة كلاما لوجب أن يقع عليه الطلقات الثلاث عند قوله في المرة الثانية " كلما كلمتك " وسكت عليه ولم يذكر بعده قوله " فأنت طالق " : لأن هذا المجموع مشتمل على ذكر الكلمات الكثيرة وكل واحد منها يوجب وقوع الطلاق . وأقول : لعل زفر يلتزم ذلك . [ ص: 27 ]

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية عشرة :

                                                                                                                                                                                                                                            محل الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وزفر ينبغي أن يكون مخصوصا بما إذا قال " إن كلمتك فأنت طالق " أما لو قال : " إن تكلمت بكلمة فأنت طالق " أو قال : " إن نطقت " أو قال : " إن تلفظت بلفظة " أو قال : " إن قلت قولا فأنت طالق " وجب أن يكون الحق في جميع هذه المسائل قول زفر قولا واحدا والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية