الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في الذي يحلف بالمشي إلى بيت الله فيحنث قلت : أرأيت الرجل يقول علي المشي إلى بيت الله إن كلمت فلانا فكلمه ما عليه في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : إذا كلمه وجب عليه أن يمشي إلى مكة ، قلت : ويجعلها في قول مالك إن شاء حجة وإن شاء عمرة ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم ، قلت : فإن جعلها عمرة فحتى متى يمشي ؟

                                                                                                                                                                                      قال : حتى يسعى بين الصفا والمروة ، قلت : فإن ركب قبل أن يحلق بعدما سعى في عمرته هذه التي حلف فيها أيكون عليه شيء في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا وإنما عليه المشي حتى يفرغ من السعي بين الصفا والمروة عند مالك ، قلت : فإن جعلها حجة فإلى أي موضع يمشي في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : حتى يقضي طواف الإفاضة ، كذلك قال مالك ، قلت : فإذا قضى طواف الإفاضة أيركب راجعا إلى منى في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم ، قلت : أرأيت إن جعل المشي الذي وجب عليه في حجه فمشى حتى لم يبق عليه إلا طواف الإفاضة ، فأخر طواف الإفاضة حتى رجع من منى أيركب في رمي الجمار وفي [ ص: 466 ] حوائجه من منى في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا يركب في رمي الجمار .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال مالك : لا بأس أن يركب في حوائجه ، قال ابن القاسم : وأنا لا أرى به بأسا ، وإنما ذلك بمنزلة أن لو مشى فيما قد وجب عليه من حج أو عمرة فأتى المدينة فركب في حوائجه أو رجع من الطريق في حاجة له ذكرها فيما قد مشى ، فلا بأس أن يركب فيه وهذا قول مالك للذي أحب وآخذ به ، قلت له : ما قول مالك فيه إذا هو خرج ماشيا في مشي وجب عليه أله أن يركب في المناهل في حوائجه في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم قال ابن القاسم : لا أرى بذلك بأسا ليس حوائجه في المناهل من مشيه .

                                                                                                                                                                                      قلت له : ما قول مالك إن طلب حاجة نسيها أو سقط بعض متاعه أيرجع فيها راكبا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا بأس به ، قلت : وهل يركب إذا قضى طواف الإفاضة في رمي الجمار بمنى ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم وفي رجوعه من مكة إلى منى إذا قضى طواف الإفاضة ، قلت : أرأيت إن هو ركب في الإفاضة وحدها وقد مشى حجه كله أيجب عليه لذلك في قول مالك دم ، أم يجب عليه العودة ثانية حتى يمشي ما ركب ؟

                                                                                                                                                                                      قال : أرى أن يجزئه ويكون عليه الهدي ، قال : لأن مالكا قال لنا : لو أن رجلا مرض في مشيه فركب الأميال أو البريد أو اليوم ، ما رأيت عليه الرجوع ثانية لمشيه ذلك ورأيت أن يهدي هديا ويجزئ عنه .

                                                                                                                                                                                      وقال مالك : لو أن رجلا دخل مكة حاجا في مشي عليه ، فلما فرغ من سعيه بين الصفا والمروة خرج إلى عرفات راكبا وشهد المناسك وأفاض راكبا ؟ قال مالك : أرى أن يحج الثانية راكبا حتى إذا دخل مكة وطاف وسعى خرج ماشيا حتى يفيض ، فيكون قد ركب ما مشى ومشى ما ركب ولم يره مثل الذي ركب في الطريق الأميال من مرض قلت : أرأيت إن مشى هذا الذي حلف بالمشي فحنث فعجز عن المشي كيف يصنع في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : يركب إذا عجز فإذا استراح نزل فمشى ، فإذا عجز عن المشي ركب أيضا حتى إذا استراح نزل ، ويحفظ المواضع التي مشى فيها والمواضع التي ركب فيها ، فإذا كان قابلا خرج أيضا فمشى ما ركب ، وركب ما مشى وأهراق لما ركب دما ، قلت : وإن كان قد قضى ما ركب من الطريق ماشيا أيكون عليه الدم في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم ، قال مالك : عليه الدم لأنه فرق في مشيه ، قلت : فإن هو لم يتم المشي في المرة الثانية أعليه أن يعود الثالثة في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : ليس عليه أن يعود بعد المرة الثانية وليهرق دما ولا شيء عليه ، قلت : فإن كان هو حين مضى في المرة الأولى إلى مكة مشى وركب فعلم أنه إن عاد الثانية لم يقدر على أن يتم ما ركب ماشيا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : إذا علم أنه لا يقدر أن يمشي المواضع التي ركب فيها في المرة الأولى ، فليس عليه أن يعود ويجزئه الذهاب الأول إن كانت حجة فحجة ، وإن كانت عمرة فعمرة ، ويهريق لما ركب دما وليس عليه أن يعود . قلت : فإن كان حين حلف بالمشي فحنث يعلم أنه لا يقدر على أن يمشي الطريق كله إلى مكة في ترداده إلى مكة ، [ ص: 467 ] أيركب في أول مرة ويهدي ولا يكون عليه شيء غير ذلك في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : يمشي ما أطاق ولو شيئا ثم يركب ويهدي بمنزلة الشيخ الكبير والمرأة الضعيفة .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية