الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو خلط دراهم كيسين للمودع ) ولم تتميز وقد أودعهما غير مختومين ( ضمن ) تلك الدراهم بما مر ( في الأصح ) لتعديه أما لو كانا مختومين فيضمن ما في كل بفض الخاتم فقط كفتح الصندوق المقفل بخلاف حل خيط يشد به رأس الكيس ، أو رزمة القماش ؛ لأن القصد هنا منع الانتشار لا كتمه عنه ( ومتى صارت مضمونة بانتفاع وغيره ثم ترك الخيانة لم يبرأ ) كما لو جحدها ثم أقر بها ويلزمه ردها فورا .

                                                                                                                              [ ص: 124 ] بخلاف مرتهن ، أو وكيل تعدى وكأن الفرق ما مر من ارتفاع أصل الوديعة بالخيانة بخلاف غيرها ( فإن أحدث له المالك ) الرشيد قبل أن يردها له ( استئمانا ) ، أو إذنا في حفظها ، أو إبراء ، أو إيداعا ( برئ ) الوديع من ضمانها ( في الأصح ) ؛ لأنه أسقط حقه ، ولو أتلفها فأحدث له استئمانا ، أو نحوه في البدل لم يبرأ وخرج بأحدث قوله له قبل الخيانة إن خنت ثم تركت عدت أمينا فلا يبرأ به قطعا ؛ لأنه إبراء عما لم يجب ، وكذا لو أبرأه نحو وكيل وولي ( ومتى طلبها المالك ) لكلها المطلق التصرف ، ولو سكران على الأوجه لا على وجه يلوح بجحدها كأن طالبه بحضرة ظالم متشوف إليها ( لزمه الرد ) على الفور ولا يجوز له التأخير للإشهاد وإن سلمها له بإشهاد لقبول قوله في الرد وليس المراد به حقيقته بل التمكين من الأخذ ( بأن يخلي بينه وبينها ) ومؤنة الرد على المالك أما مالك حجر عليه لنحو سفه ، أو فلس فلا يرد إلا لوليه ولا ضمن كالرد لأحد شريكين ، أو دعاه فإن أبى إلا أخذ حصته رفعه لقاض ، أو محكم يقسمها له وعلم من ذلك أن من أعطى غيره خاتمه مثلا أمارة لقضاء حاجة وأمره برده إذا قضيت فتركه بعد قضائها في حرزه فضاع لم يضمنه لما تقرر أنه إنما يلزمه التخلية لا غير .

                                                                                                                              وهي لا تكون إلا بعد الطلب ( فإن أخر ) التخلية بعد الطلب ، أو إعلام المالك بحصول ماله بيده بنحو هبوب ريح إن لم يعلمه ، أو بحصوله في حرز كذا إن علمه لا بقيد كونه في ذلك الحرز ( بلا عذر ضمن ) لتعديه بخلافه لنحو صلاة وطهر وأكل دخل وقتها وهي بغير مجلسه وملازمة غريم ، وكذا الإشهاد على وكيل ، أو ولي أو حاكم [ ص: 125 ] طلبها ممن أودعه إياها لاحتمال عزله فلا يقبل قول الوديع في الدفع إليه حينئذ فكان تأخيره الدفع إليه حتى يشهد على نفسه بالأخذ منه عذرا ، ولو طال زمن العذر كنذر اعتكاف شهر متتابع فالأوجه أنه يلزمه توكيل أمين يردها إن وجده متبرعا وإلا يوكل رفع المودع الأمر للحاكم ليلزمه ببعث من يسلمها له فإن أبى أرسل الحاكم أمينه ليسلمها له كما لو غاب الوديع ذكره الأذرعي وإنما يتجه ما ذكره آخرا إن كان خروجه لذلك يقطع تتابع اعتكافه والقياس أنه إذا عجز عن التوكيل لزمه الخروج ولا ينقطع به تتابعه فحينئذ يلزمه الحاكم بالخروج بنفسه قال ومتى ترك ما لزمه هنا مع القدرة عليه ضمن ويؤخذ من كلام بعضهم ترجيح أن اشتراط الفورية فيما ذكر إنما هو لدفع الضمان لا غير فلا يأثم بالتأخير وإن ضمن به .

                                                                                                                              ؛ لأن الأمر المطلق لا يقتضي الفور وهو محتمل لكن الأوجه ما دل عليه كلامهم من الإثم أيضا ؛ لأن محل ما ذكر ما لم تدل القرينة على الفور وهي هنا دالة عليه إذ طلب المالك أو وكيله ، وقوله : أعطها لأحد أين ، أو من قدرت عليه من وكلائي فقدر على أحدهما ، أو أحدهم ظاهر في احتياجه لها ، أو في نزعها منه ومن ثم ضمن بالتأخير بخلاف ما لو قال ادفعها لمن شئت من ذين ، أو من وكلائي فأبى فإنه لا يعصي كما في أصل الروضة بل ولا يضمن كما رجحه الأذرعي من وجهين أطلقاهما به ويعلم الفرق بين هذه وما قبلها بأن تلك فيها الضمان ومن لازمه الإثم غالبا وهذه لا إثم فيها ولا ضمان فاتجه ما ذكرته من الإثم واندفع الأخذ من الأخيرة عدم الإثم فيما قبلها فتأمله

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله لا كتمه عنه ) قضيته أنه لو دلت القرينة على قصد كتمه عنه ضمن [ ص: 124 ] قوله وكذا لو أبرأه نحو وكيل وولي ) هو محترز المالك ( قوله كأن طالبه إلخ ) مثال للمنفي لا للنفي ( قوله فلا يرد إلا لوليه ) فيه أن محجور الفلس لا ولي له إلا أن يريد بالولي بالنسبة إليه الحاكم فليراجع ( قوله أو إعلام ) [ ص: 125 ] عطف على التخلية ( قوله فلا يقبل قول الوديع إلخ ) في الروض وإن أخره أي الإعطاء عن وكيل حتى يشهد عليه لم يضمن قال في شرحه ؛ لأن الوكيل يصدق بيمينه في عدم الرد عليه انتهى وهذا غير ما ذكره الشارح ؛ لأن الظاهر أن الوكيل فيما ذكره هو المودع ( قوله فإنه لا يعصي ) أي بالتأخير ليعطي آخر



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله بما مر ) وهو قوله وبمثل المثلي ا هـ كردي ( قوله أما لو كانا مختومين إلخ ) أي أو أحدها ا هـ نهاية زاد المغني وأما إذا كانت أي الدراهم لمودعين فأولى بالضمان ولو قطع الوديع يد الدابة المودعة أو أحرق بعض الثوب المودع عنده خطأ ضمن المتلف فقط دون الباقي لعدم تعديه فيه أو شبه عمد أو عمدا ضمنهما جميعا لتعديه ا هـ وهو موافق لما مر عن النهاية من الفرق بين العمد والسهو في الخلط خلافا للشارح ( قوله فيضمن ) أي وإن ختمه بعد ذلك وقوله بفض الختم أي ما فضه فقط حيث لم يخلط ا هـ ع ش ( قوله فقط ) عبارة النهاية والمغني وإن لم يخلط ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ؛ لأن القصد إلخ ) عبارة المغني لم يضمن ؛ لأن القصد إلخ إلا أن يكون مكتوما عنه فيضمن ولو خرق الكيس من فوق الختم لم يضمن إلا بنقصان الخرق نعم إن خرقه متعمدا ضمن جميع الكيس ولو عد الدراهم المودوعة أو وزنها أو ذرع الثوب كذلك ليعرف قدر ذلك لم يضمنه كما جزم به صاحب الأنوار ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لا كتمه عنه ) قضيته أنه لو دلت القرينة على قصد كتمه عنه ضمنه ا هـ سم وقد مر آنفا عن المغني ما يوافقه ( قوله كما لو جحدها إلخ ) لا يخفى ما فيه إذ هي داخلة في قول المصنف وغيره إلا أن يقيد الغير بكونه مما مر كما فعله المغني ( قوله ويلزمه ) إلى قوله وكان الفرق [ ص: 124 ] في المغني ( قوله بخلاف مرتهن أو وكيل ) أي فإنه لا يلزمهما الرد فورا وإن تعديا لبقاء الرهن والوكالة وإن زالت الأمانة ا هـ ع ش ( قوله بخلاف غيرها ) الأنسب الأخصر بخلافهما ( قوله أو إذنا إلخ ) عبارة المغني كقوله استأمنتك عليها أو أبرأتك من ضمانها أو أمره بردها إلى الحرز ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ؛ لأنه أسقط ) إلى قوله وإنما يتجه في المغني إلا قوله لا على وجه إلى المتن وقوله أو محكم وقوله وهي لا تكون إلى المتن ( قوله في البدل ) أي وهو في ذمة المتلف بخلاف ما لو أخذه المالك منه ثم رده إليه فإنه يبرأ ؛ لأن الرد ابتداء إيداع ا هـ ع ش ( قوله لم يبرأ ) بلا خلاف ؛ لأن الواجب عليه أن يرد البدل إلى المالك ا هـ مغني .

                                                                                                                              ( قوله قوله ) أي المالك له أي الوديع ( قوله ؛ لأنه إبراء إلخ ) وتعليق للوديعة نهاية ومغني ( قوله وكذا لو أبرأه نحو وكيل إلخ ) هو محترز المالك ا هـ سم عبارة المغني ولا خفاء أن هذا الاستئمان إنما هو للمالك خاصة لا للولي والوكيل ونحوهما بل لا يجوز لهم ذلك ولو فعلوه لم يعد أمينا قطعا ا هـ .

                                                                                                                              ( قول المتن المالك ) أو وارثه بعد موته ا هـ مغني ، وقد يقال إن المتن شامل له ( قوله لكلها ) متعلق بالمالك وسيذكر محترزه ( قوله المطلق التصرف ) إلى قوله متبرعا في النهاية إلا قوله لا على وجه إلى المتن وقوله أو محكم وقوله وهي لا تكون إلى المتن وقوله أو إعلام المالك إلى المتن ( قوله لا على وجه إلخ ) متعلق بطلبها ( قوله يلوح ) أي يشير .

                                                                                                                              ( قوله كان طلبه إلخ ) مثال للمنفي لا للنفي ا هـ سم ( قوله متشوف ) أي مشتاق ا هـ كردي ( قول المتن لزمه الرد ) ولو أودعه معروف باللصوصية وغلب على الظن أنها لغيره ثم طالبه لزمه الرد فيما يظهر لظاهر اليد ا هـ نهاية زاد المغني ولو قال من عنده وديعة لمالكها خذ وديعتك لزمه أخذها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لقبول قوله ) أي الوديع ( قوله حقيقته ) أي حملها إلى مالكها ا هـ مغني ( قوله ومؤنة الرد على إلخ ) مبتدأ وخبر ( قوله لنحو سفه أو فلس إلخ ) فيه أن محجور الفلس لا ولي له إلا أن يريد بالولي بالنسبة إليه الحاكم فليراجع كذا أفاده الفاضل المحشي سم وظاهر أن المراد ذلك وقد سبقت المسألة في كلام الشارح مبسوطا سيد عمر وع ش ( قوله ضمن ) عبارة المغني فلا يلزمه الرد إليه بل يحرم فإن رد عليه ضمن ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله رفعه ) أي رفع الوديع الأمر ( قوله أو محكم ) قد يقال شرط التحكيم رضا الخصمين والوديع وكيل في الحفظ لا في القسمة فليراجع ا هـ سيد عمر أقول ويؤيد الإشكال اقتصار النهاية والمغني والروض على القاضي .

                                                                                                                              ( قوله يقسمها له ) أي إن انقسم نهاية وشرح الروض عبارة المغني وشرح الروض ليقسمه ويدفع إليه حصته منه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله من ذلك ) أي من تفسير الرد بالتخلية ( قوله إذا قضيت ) ببناء المفعول ( قوله في حرزه ) أي حرز مثله كما عبر به النهاية ا هـ سيد عمر أي والمغني ( قوله وهي لا تكون إلخ ) يوهم هذا عدم الاكتفاء بالأمر بالرد السابق في الطلب وهو محل تأمل ا هـ سيد عمر أقول ويؤيد الإشكال اقتصار النهاية والمغني على ما قبيله ( قوله أو إعلام إلخ ) عطف على التخلية ا هـ سم عبارة المغني واحترز بتفسير الرد بالتخلية عن رد الأمانات الشرعية كثوب طيرته الريح في داره فإن ردها بالإعلام ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لنحو صلاة ) متعلق بضمير خلافه الراجع للتأخير عبارة الروض مع شرحه فإن أخره ضمن لا إن أخره بعذر كاحتياجه إلى الخروج وهو في ظلام أو في حمام أو مطر أو طعام ونحوه مما لا يطول زمنه غالبا نحو صلاة وقضاء حاجة وطهارة وملازمة غريم يخاف هربه فلا يضمن لعدم تقصيره ، وله أن ينشئ ما يتأتى إنشاؤه من ذلك كالتطهير والأكل والصلاة التي دخل وقتها إذا كانت الوديعة بعيدة عن مجلسه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وكذا الإشهاد إلخ ) عبارة المغني ، وليس له أن يلزم المالك الإشهاد بخلاف ما لو طلبها وكيل المودع ؛ لأنه لا يقبل قوله في دفعها إليه ولو كان الذي أودعه حاكما ثم طالبه فعليه أن يشهد له بالبراءة ؛ لأنه لو عزل لم يقبل قوله قاله الإصطخري في أدب القضاء قال الزركشي ويجيء مثله إذا كان المودع ينوب عن غيره بولاية أو وصية ا هـ وقوله ولو كان إلخ كله في النهاية قال ع ش وفائدة وجوب الإشهاد عليه في هذه [ ص: 125 ] الصور مع قبول قول الوديع في الرد عليه تخليص نحو الحاكم من ورطة لزوم غرمه بعد العزل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله طلبها ) أي الوكيل أو الولي إلخ وكذا الضمير المستتر في أودعه وفي يشهد والمجرور في عزله وفى إليه في الموضعين ( قوله فلا يقبل قول الوديع إلخ ) في الروض وإن أخره أي الإعطاء عن وكيل حتى يشهد عليه لم يضمن قال في شرحه ؛ لأن الوكيل يصدق بيمينه في عدم الرد عليه ا هـ وهذا غير ما ذكره الشارح ؛ لأن الظاهر أن الوكيل فيما ذكره أي الشارح هو المودع ا هـ سم وقد قدمنا عن المغني والنهاية ما يوافق ما ذكره الشارح في الحكم دون التعليل وعن الأول ما يوافق ما في الروض وشرحه وعدولهما عن تعليل الشارح لعله لمخالفته لما يأتي في شرح على من ائتمنه فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله كنذر اعتكاف إلخ ) وإحرام يطول زمنه نهاية ومغني ( قوله وإلا يوكل ) الأولى وإن لم يوكل ( قوله ليلزمه ) أي بعد ثبوت الإيداع عنده ا هـ مغني ( قوله ليلزمه ) أي يلزم الحاكم الوديع الممتنع من التوكيل ا هـ كردي ( قوله فإن أبى ) أي الوديع من البعث ( قوله ما ذكره آخرا ) وهو قوله فإن أبى إلخ ا هـ كردي ( قوله قال ) أي الأذرعي ( قوله ومتى ترك ) إلى قوله ويؤخذ في المغني ( قوله ما لزمه هنا ) أي من التوكيل والبعث والخروج ( قوله لكن الأوجه إلخ ) قضية ما يأتي آنفا عن المغني عدم الإثم بمجرد التأخير بلا نهي عنه ( قوله ؛ لأن محل ما ذكر ) أي إن الأمر المطلق إلخ ( قوله أو وكيله ) أي أو وليه أو الحاكم أخذا مما مر ( قوله وقوله إلخ ) عطف على طلب إلخ ( قوله في احتياجه إلخ ) راجع إلى قوله إذ طلب إلخ وقوله أو في نزعها إلخ إلى قوله وقوله أعطها إلخ على طريق اللف ( قوله ضمن بالتأخير ) ولو لم يطالبه الوكيل ولو قال مع ذلك ولا تؤخر فأخر عصى أيضا ا هـ مغني ( قوله بخلاف ما لو قال ) إلى قوله وبه يعلم في المغني .

                                                                                                                              ( قوله فإنه لا يعصي ) أي بالتأخير ليعطي آخر سم ومغني




                                                                                                                              الخدمات العلمية