الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( و ) ثالثها ( نسب ) والعبرة فيه بالآباء كالإسلام فلا يكافئ من أسلم بنفسه أو له أبوان في الإسلام من أسلمت بأبيها أو من لها ثلاثة آباء فيه وما لزم عليه من أن الصحابي ليس كفؤ بنت تابعي صحيح لا زلل فيه لما يأتي أن بعض الخصال لا يقابل ببعض فاندفع ما للأذرعي هنا واعتبر النسب في الآباء لأن العرب تفتخر به فيهم دون الأمهات فمن انتسبت لمن تشرف به لا يكافئها من لم يكن كذلك وحينئذ ( فالعجمي ) أبا وإن كانت أمة عربية ( ليس كفؤ عربية ) وإن كانت أمها عجمية لأن الله تعالى اصطفى العرب على غيرهم وميزهم عنهم بفضائل جمة كما صحت به الأحاديث وقد ذكرتها وغيرها في كتابي مبلغ الأرب في فضائل العرب .

                                                                                                                              ( ولا غير قرشي ) من العرب ( قرشية ) أي كفؤ قرشية لأن الله تعالى اصطفى قريشا من " كنانة " المصطفين من العرب كما يأتي ( ولا غير هاشمي ومطلبي ) كفؤا ( لهما ) لخبر مسلم { إن الله اصطفى من العرب كنانة واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم } وصح خبر نحن وبنو المطلب شيء واحد فهما متكافئان نعم أولاد فاطمة منهم لا يكافئهم غيرهم من بقية بني هاشم لأن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن أولاد بناته ينسبون إليه في الكفاءة وغيرها كما صرحوا به وبه يرد على ما قال أنهم أكفاء لهم كما أطلقه الأصحاب ويفرق بين هذا واستواء قريش كلهم بالنسبة للإمامة العظمى بأن المدار ثم على طيب المعدن وهو عام فيهم وهنا على الشرف المقتضي للحوق عازما [ ص: 280 ] بنكاح الغير .

                                                                                                                              ولا شك أن بني هاشم والمطلب أشرف من بقية قريش بذلك الاعتبار ، وغير قريش من العرب أكفاء وكأنهم إنما لم يقدموا كنانة مع ما مر فيهم لأن العرب لا يعدون لهم فخرا متميزا على غيرهم بحيث يتعيرون لو نكح غيرهم نساءهم وبهذا يفرق بين ما هنا والتقديم في الديوان كما مر في قسم الفيء لأن المدار ثم على مطلق الشرف لا بهذا القيد ومن ثم قدم الكناني في الإمامة على غيره بخلافه هنا وقد يتصور تزويج هاشمية برقيق ودنيء نسب بأن يتزوج هاشمي أمة بشرطه فتلد بنتا فهي ملك لمالك أمها فيزوجها من رقيق ودنيء نسب لأن وصمة الرق الثابت من غير شك ألغت اعتبار كل كمال معه مع كون الحق في الكفاءة في النسب لسيدها لا لها على ما جزم به شيخنا حتى لا ينافيه قولهما في تزويج أمة عربية بحر عجمي " الخلاف في مقابلة بعض الخصال ببعض " الظاهر في امتناع نكاحها وصوبه الإسنوي لأن محله فيما إذا زوجها غير سيدها كوليه أو مأذونه ( والأصح اعتبار النسب في العجم كالعرب ) قياسا عليهم فالفرس أفضل من النبط وبنو إسرائيل أفضل من القبط لا عبرة بالانتساب للظلمة بخلاف الرؤساء بإمرة جائزة ونحوها لأن أقل مراتبها أن تكون كالحرف ، وقول التتمة وللعجم في النسب عرف فيعتبر يحمل على غير ما ذكروه مما مر كتقديم بني إسرائيل وكذا ما قيس بذلك من اعتبار عرفهم في الحرف أيضا يتعين حمله على غير ما يأتي عنهم من أنه رفيع أو دنيء وإلا لم يعتبر بعرف لهم ولا لغيرهم خالف ما ذكره الأئمة لأنهم أعلم بالعرف وهو بعد أن عرفوه وقرروه لا نسخ فيه .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : بأن المدار ثم إلخ ) لو قيل لم كان المدار هناك وهنا على ما قاله ؟ احتيج للجواب ( قوله : [ ص: 280 ] وغير قريش من العرب ) أي حتى كنانة ( قوله : نعم قول الشيخين إلخ ) أجاب في شرح الروض بحمل هذا [ ص: 281 ] على ما إذا تزوجها غير سيدها بإذن أو ولاية على مالكها ( قوله : كما جزم به بعضهم ) وأفتى به شيخنا الشهاب الرملي ( قوله : كما بحثه الإسنوي ) اعتمده م ر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : من أسلمت بأبيها إلخ ) نشر على ترتيب اللف ( قوله : وما لزم عليه ) أي على قوله كالإسلام فلا يكافئ إلخ ( قوله : من أن الصحابي ) أي الذي أسلم بنفسه ( قول المتن : ولا غير هاشمي إلخ ) كبني عبد شمس ونوفل وإن كانا أخوين لهاشم ا هـ مغني ( قوله : أولاد فاطمة ) عبارة المغني أولاد الحسن والحسين ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : منهم ) أي من بني هاشم ( قوله : أن أولاد بناته ) أي لصلبه صلى الله عليه وسلم ( قوله : وبه يرد ) أي بقوله إن من خصائصه إلخ ( قوله : أنهم ) أي غير أولاد فاطمة من بقية بني هاشم وقوله : لهم أي لأولاد فاطمة ( قوله : بين هذا ) أي استثناء بني هاشم ومطلب بالنسبة للكفاءة ( قوله : فيهم ) [ ص: 280 ] أي قريش كلهم ( قوله : بنكاح إلخ ) أي بسببه .

                                                                                                                              ( قوله : وغير قريش أكفاء ) خلافا للمغني عبارته والأمر الثاني أي مما اقتضاه كلام المصنف أن غير قريش من العرب بعضهم أكفاء بعض ونقله الرافعي عن جماعة وقال في زيادة الروضة إنه مقتضى كلام الأكثرين قال الرافعي ومقتضى اعتبار النسب في العجم اعتباره في غير قريش من العرب وقال الماوردي في الحاوي واختلف أصحابنا في غير قريش فالبصريون يقولون بأنهم أكفاء والبغداديون يقولون بالتفاضل فيفضل مضر على ربيعة وعدنان على قحطان اعتبارا بالقرب منه صلى الله عليه وسلم وهذا كما قال شيخنا هو الأوجه إذ أقل مراتب غير قريش من العرب أن يكونوا كما في المهمات كالعجم قال الفارقي والمراد بالعربي من ينسب إلى بعض القبائل وأما أهل الحضر فمن ضبط نسبه منهم فكالعرب وإلا فكالعجم ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وإنما لم يقدموا كنانة ) أي على غيرهم من العرب ( قوله : مع ما مر ) أي في خبر مسلم .

                                                                                                                              ( قوله : وقد يتصور ) إلى قوله لأن وصمة الرق في المغني وإلى قول المتن " وعفة " في النهاية ( قوله : وقد يتصور إلخ ) هو في معنى الاستدراك ا هـ ع ش ( قوله : حتى لا ينافيه إلخ ) " حتى " هنا تعليلية والضمير راجع لقولهم لأن وصمة الرق الثابت من غير شك إلخ ا هـ ع ش وقال الرشيدي قوله : حتى لا ينافيه إلخ علة لقوله مع كون إلخ الذي حصل به الفرق بين هذه المسألة والتي بعدها فالضمير في " ينافيه " يرجع لأصل الحكم في هذا الذي هو جواز تزويج السيد أمته إلخ فكأنه قال إنما أتينا بهذه المعية حتى لا ينافي ما جزما به في هذه المسألة ما قالاه في المسألة الأخرى وهذا أصوب مما في حاشية الشيخ ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : في تزويج أمة إلخ ) خبر مقدم للخلاف فهو من جملة مقول القول وقوله " الظاهر " وصف لقولهما وهذا أصوب مما في حاشية الشيخ ا هـ رشيدي يعني من قول ع ش إن قوله " الظاهر " صفة للخلاف ا هـ .

                                                                                                                              أقول وكل هذا على ما في نسخ النهاية وفي أكثر نسخ التحفة من الظاهر بأل وأما على ما في بعض نسخها المصححة على أصل الشارح وكتب فوقه صح من ظاهر بدون " أل " وكتب في هامشه : قوله : ظاهر كذا في أصل الشارح وفي النسخ " الظاهر " ا هـ فقوله : في تزويج إلخ ظرف لقولهما ، وقوله ظاهر إلخ خبر قوله " الخلاف إلخ " والجملة مقول القول ( قوله : لأن محله ) أي محل قولهما في تزويج أمة عربية بحر عجمي إلخ أي وما مر من التصوير فيما إذا زوجها سيدها ( قوله : غير سيدها إلخ ) عبارة النهاية : الحاكم ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : فالفرس أفضل إلخ ) لما روي أنه عليه الصلاة والسلام { قال لو كان الدين معلقا بالثريا لتناوله رجال من فارس } ا هـ مغني ( قوله : من النبط ) بفتحتين ا هـ قاموس وقال ع ش النبط طائفة منزلهم شاطئ الفرات ا هـ ع ش ( قوله : وبنو إسرائيل أفضل إلخ ) لسلفهم وكثرة الأنبياء فيهم ا هـ مغني ( قوله : من القبط ) بكسر القاف ا هـ ع ش ( قوله : بخلاف الرؤساء بإمرة جائزة ) بأن كانت أهلا لها ع ش ورشيدي وكتب عليه السيد عمر أيضا ما نصه يتردد النظر فيما لو كان الإمرة جائزة لكن بعد التولية ظلم وتجاوز الحدود فهل يلحق بمن ولي ابتداء ولاية باطلة كجباية المكوس أو لا نظرا للأصل ؟ محل تأمل ا هـ أقول ومقتضى ما مر عن ع ش والرشيدي الثاني ( قوله : غير ما ذكروه ) أي الأئمة ( قوله : بذلك ) أي بقول التتمة ( قوله : عنهم ) أي عن الأئمة ( قوله : بعرف ) كذا في أصله رحمه الله بالباء ا هـ سيد عمر ( قوله : لا نسخ فيه ) محل تأمل ا هـ سيد عمر ويجاب بأن مراد الشارح بالنسخ معناه اللغوي أي التغيير .




                                                                                                                              الخدمات العلمية