الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 15 ]

                                                                                                                                                                                                                                            بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                            الحمد لله الذي وفقنا لأداء أفضل الطاعات ، ووفقنا على كيفية اكتساب أكمل السعادات ، وهدانا إلى قولنا : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من كل المعاصي والمنكرات ( بسم الله الرحمن الرحيم ) نشرع في أداء كل الخيرات والمأمورات ( الحمد لله ) الذي له ما في السماوات ( رب العالمين ) بحسب كل الذوات والصفات ( الرحمن الرحيم ) على أصحاب الحاجات وأرباب الضرورات ( مالك يوم الدين ) في إيصال الأبرار إلى الدرجات وإدخال الفجار في الدركات ( إياك نعبد وإياك نستعين ) في القيام بأداء جملة التكليفات ( اهدنا الصراط المستقيم ) بحسب كل أنواع الهدايات ( صراط الذين أنعمت عليهم ) في كل الحالات والمقامات ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) من أهل الجهالات والضلالات .

                                                                                                                                                                                                                                            والصلاة على محمد المؤيد بأفضل المعجزات والآيات وعلى آله وصحبه بحسب تعاقب الآيات وسلم تسليما .

                                                                                                                                                                                                                                            أما بعد : فهذا كتاب مشتمل على شرح بعض ما رزقنا الله تعالى من علوم الفاتحة ونسأل الله العظيم أن يوفقنا لإتمامه ، وأن يجعلنا في الدارين أهلا لإكرامه وإنعامه ، إنه خير موفق ومعين وبإسعاف الطالبين قمين ، وهذا الكتاب مرتب على مقدمة وكتب ، أما المقدمة ففيها فصول : -

                                                                                                                                                                                                                                            الفصل الأول

                                                                                                                                                                                                                                            في التنبيه على علوم هذه السورة على سبيل الإجمال

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أنه مر على لساني في بعض الأوقات أن هذه السورة الكريمة يمكن أن يستنبط من فوائدها ونفائسها عشرة آلاف مسألة : فاستبعد هذا بعض الحساد وقوم من أهل الجهل والغي والعناد ، وحملوا ذلك على ما ألفوه من أنفسهم من التعلقات الفارغة عن المعاني ، والكلمات الخالية عن تحقيق المعاقد والمباني ، فلما شرعت في تصنيف هذا الكتاب قدمت هذه المقدمة لتصير كالتنبيه على أن ما ذكرناه أمر ممكن الحصول ، قريب الوصول ، فنقول وبالله التوفيق : إن قولنا : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) لا شك أن المراد منه الاستعاذة بالله من جميع المنهيات والمحظورات ، ولا شك أن المنهيات إما أن تكون من باب الاعتقادات أو من باب أعمال الجوارح : أما الاعتقادات فقد جاء في الخبر المشهور قوله صلى الله عليه وسلم " ستفترق أمتي [ ص: 16 ] على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا فرقة واحدة " وهذا يدل على أن الاثنتين والسبعين موصوفون بالعقائد الفاسدة والمذاهب الباطلة : ثم إن ضلال كل واحدة من أولئك الفرق غير مختص بمسألة واحدة ، بل هو حاصل في مسائل كثيرة من المباحث المتعلقة بذات الله تعالى وبصفاته وبأحكامه وبأفعاله وبأسمائه وبمسائل الجبر والقدر والتعديل والتجوير والثواب والمعاد والوعد والوعيد والأسماء والأحكام والإمامة : فإذا وزعنا الفرق الضالة -وهو الاثنتان والسبعون- على هذه المسائل الكثيرة بلغ العدد الحاصل مبلغا عظيما ، وكل ذلك أنواع الضلالات الحاصلة في فرق الأمة ، وأيضا فمن المشهور أن فرق الضلالات من الخارجين عن هذه الأمة يقربون من سبعمائة ، فإذا ضمت أنواع ضلالاتهم إلى أنواع الضلالات الموجودة في فرق الأمة في جميع المسائل العقلية المتعلقة بالإلهيات والمتعلقة بأحكام الذوات والصفات : بلغ المجموع مبلغا عظيما في العدد : ولا شك أن قولنا ( أعوذ بالله ) يتناول الاستعاذة من جميع تلك الأنواع ، والاستعاذة من الشيء لا تمكن إلا بعد معرفة المستعاذ منه ، وإلا بعد معرفة كون ذلك الشيء باطلا وقبيحا ، فظهر بهذا الطريق أن قولنا ( أعوذ بالله ) مشتمل على الألوف من المسائل الحقيقية اليقينية ، وأما الأعمال الباطلة فهي عبارة عن كل ما ورد النهي عنه : إما في القرآن ، أو في الأخبار المتواترة ، أو في أخبار الآحاد ، أو في إجماع الأمة ، أو في القياسات الصحيحة ، ولا شك أن تلك المنهيات تزيد على الألوف ، وقولنا ( أعوذ بالله ) متناول لجميعها وجملتها ، فثبت بهذا الطريق أن قولنا ( أعوذ بالله ) مشتمل على عشرة آلاف مسألة أو أزيد أو أقل من المسائل المهمة المعتبرة . [ ص: 17 ]

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية