الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أسباب خطورة مرض الشك

السؤال

لماذا مرض الشك أشد خطراً من المرض الحسي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كان السائل يعني بمرض الشك: شك القلب، والذي هو داء المنافقين، فإنه مرض يقضي على الإيمان ويقوض بناءه.

قال البخاري في صحيحه: قال أبو العالية (مرض) شك. انتهى.

قال ابن حجر: وصله ابن أبي حاتم عن طريق أبي جعفر الرازي عن أبي العالية في قوله تعالى (في قلوبهم مرض) أي شك. ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله. ومن طريق عكرمة قال: الرياء. ومن طريق قتادة في قوله (فزادهم الله مرضاً) أي نفاقاً. وروى الطبري من طريق قتادة في قوله (في قلوبهم مرض)، قال: ريبة وشك في أمر الله تعالى. انتهى.

وقال ابن كثير: قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود، وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: {فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ} قال: شك. {فزادهم الله مرضاً} قال: شكاً. وقال ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس {في قلوبهم مرض} قال: شكاً. وكذلك قال مجاهد وعكرمة والحسن البصري وأبو العالية والربيع بن أنس وقتادة. اهـ.

وهذا الشك ينقض شهادة التوحيد، فإن من شروط صحة شهادة (لا إله إلا الله): اليقين، وهو الشرط الثاني بعد العلم، كما ذكره في (معارج القبول) فقال: اليقين المنافي للشك، بأن يكون قائلها مستيقا بمدلول هذه الكلمة يقينا جازما؛ فإن الإيمان لا يغني فيه إلا علم اليقين لا علم الظن، فكيف إذا دخله الشك، قال الله عز وجل: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ـ إلى قوله ـ أولئك هم الصادقون (الحجرات). فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا أي لم يشكوا، فأما المرتاب فهو من المنافقين والعياذ بالله الذين قال الله تعالى فيهم: إنما يستأذنكم الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون. (التوبة). وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة. انتهى. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 5098.

ثم من جهة أخرى فإن هذا المرض إنما يصيب القلب الذي هو سيد الجوارح وأعظمها أثرا وأهمها فائدة، في حين أن الأمراض الحسية إنما تصيب البدن، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب. رواه البخاري ومسلم.

فمرض الشك هذا أخطر من المرض الحسي بلا ريب، فإن الأول يفسد الإيمان، وبالتالي يفسد الآخرة، وأما الثاني فغايته أن يموت البدن وينتقل إلى دار الآخرة، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 30749.

وأما إن كان السائل يعني بمرض الشك المرض النفساني الذي يصيب بعض الناس، فيؤرقهم ويفسد عليهم معايشهم، فهو نوع من الوسواس، وهناك مرض يدعى بالاضطراب الضلالي أو الشك المرضي، وهذا المرض أيضا إن اشتد فقد يكون ضرره أبلغ بكثير من المرض الحسي، وهذا النوع من المرض يُسأل عنه المختصون من الأطباء النفسيين وغيرهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني