[ ص: 63 ] المقدمة 
(رب يسر وأعن بمنك ورحمتك) 
بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله الذي علا في سمائه ، وجلا باليقين قلوب أوليائه ، وخار لهم في قدره، وبارك لهم في قضائه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة مؤمن بلقائه ، وأشهد أن محمدا  عبده ورسوله وخاتم أنبيائه. 
أما بعد : 
فإن الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء ، ووصفه بذلك محمد  خاتم الأنبياء ، وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابة الأتقياء والأئمة من الفقهاء ، وتواترت الأخبار بذلك على وجه حصل به اليقين ، وجمع الله تعالى عليه قلوب المسلمين ، وجعله مغروزا في طباع الخلق أجمعين ، فتراهم عند نزول الكرب بهم يلحظون السماء بأعينهم ، ويرفعون نحوها للدعاء أيديهم ، وينتظرون مجيء الفرج من ربهم ، وينطقون بذلك بألسنتهم لا ينكر ذلك إلا مبتدع غال في بدعته ، أم مفتون (بتقليده) واتباعه على ضلالته ، وأنا ذاكر في الجزء بعض ما بلغني من الأخبار في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصحابته والأئمة (المقتدين) بسنته على وجه يحصل القطع واليقين بصحة ذلك عنهم ، ويعلم تواتر الرواية بوجوده منهم ، ليزداد من وقف عليه من المؤمنين إيمانا وينتبه من خفي عليه ذلك ، حتى يصير كالمشاهد له عيانا ، ويصير للمتمسك بالسنة حجة وبرهانا. 
واعلم - رحمك الله - أنه ليس من شرط صحة التواتر الذي يحصل به اليقين  [ ص: 64 ] أن يوجد عدد التواتر في خبر واحد ، بل متى نقلت أخبار كثيرة في معنى واحد من طرق يصدق بعضها بعضا ، ولم يأت ما يكذبها ويقدح فيها ، حتى استقر ذلك في القلوب (واستيقنته) ، فقد حصل التواتر ، وثبت القطع واليقين ، (فإننا) نتيقن جود حاتم ، وإن كان لم يرد بذلك خبر واحد مرضي الإسناد ، لوجود ما ذكرنا ، وكذلك عدل عمر ، وشجاعة علي وعلمه ، وعلم  عائشة  وأنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة  أبي بكر  ، وأشباه هذا ، لا يشك في شيء من ذلك ، ولا يكاد يوجد تواتر إلا على هذا الوجه ، فحصول التواتر واليقين في مسألتنا مع صحة الأسانيد ، ونقل العدول المرضيين ، وكثرة الأخبار وتخريجها (فيما) لا يحصى عدده ، ولا يمكن حصره من دواوين الأئمة والحفاظ ، وتلقي الأمة لها بالقبول (وروايتهم لها) من غير معارض يعارضها ، ولا منكر (ممن يسمع) منه لشيء منها أولى ، سيما وقد جاءت على وفق ما جاء في القرآن العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد. 
قال الله تعالى : ثم استوى على العرش  في مواضع من كتابه ، وقال تعالى : أأمنتم من في السماء  في موضعين ، وقال تعالى : إليه يصعد الكلم الطيب  ، وقال سبحانه : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه   [ ص: 65 ] ، وقال تعالى : تعرج الملائكة والروح إليه  ، وقال لعيسى   : إني متوفيك ورافعك إلي  ، وقال تعالى : بل رفعه الله إليه  ، وقال تعالى : وهو القاهر فوق عباده  ، وقال سبحانه وتعالى : يخافون ربهم من فوقهم  ، وأخبر عن فرعون  أنه قال : يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب  أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا  ، يعني أظن موسى  كاذبا (في أن الله إلهه في السماء) ، والمخالف في هذه المسألة (قد أنكر هذا) يزعم أن موسى  كاذب في هذا بطريق (القطع) واليقين ، مع مخالفته لرب العالمين ، وتخطئته لنبيه الصادق الأمين ، وتركه منهج الصحابة والتابعين ، والأئمة السابقين ، وسائر الخلق أجمعين . نسأل الله تعالى أن يعصمنا من البدع برحمته ، ويوفقنا لاتباع سنته . 
 [ ص: 66 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					