ذكر ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذى قومه وصبره وما من الله به من حمايته له  
أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المقدسي  ، وأبو محمد عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني  قراءة عليهما وأنا حاضر ، فالأول قال : أخبرنا أبو اليمن الكندي  ، والثاني قال : أخبرنا أبو علي بن أبي القاسم البغدادي  ، قالا : أخبرنا محمد بن عبد الباقي  ، أخبرنا ابن حسنون  ، أخبرنا أبو القاسم السراج هو موسى بن عيسى بن عبد الله  ، حدثنا محمد بن محمد بن سليمان  ، حدثنا أبو طاهر أحمد بن عمر بن السرح  ، حدثنا  عبد الله بن وهب  ، قال : أخبرني  الليث بن سعد  ، عن إسحاق بن عبد الله  ، عن أبان بن صالح  ، عن  علي بن عبد الله بن عباس  ، عن أبيه ، عن  العباس بن عبد المطلب  قال : كنت يوما في المسجد فأقبل أبو جهل  فقال : إن لله علي إن رأيت محمدا  أن أطأ على عنقه ، فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت عليه فأخبرته بقول أبي جهل  ، فخرج غضبان حتى دخل المسجد ، فعجل أن يدخل من الباب ، فاقتحم من الحائط . فقلت : هذا يوم شر نبشته ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق   ) حتى بلغ شأن أبي جهل   ( كلا إن الإنسان ليطغى  أن رآه استغنى   ) قال : فقال إنسان لأبي جهل   : يا أبا الحكم   ! هذا محمد   . فقال أبو جهل   : ألا ترون ما أرى ؟ والله لقد سد أفق السماء علي ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر السورة سجد . 
قرأت على الإمام الزاهد أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد  بسفح قاسيون ، أخبركم أبو البركات داود بن أحمد بن محمد البغدادي  قراءة عليه وأنت تسمع ، فأقر به ، أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف  ، أخبرنا أبو الغنائم عبد الصمد بن علي بن محمد بن  [ ص: 193 ] المأمون  ، أخبرنا الشيخ أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الدارقطني  ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن سعيد البزاز  ، ومحمد بن هارون الحضرمي  قالا : حدثنا  محمد بن منصور الطوسي  ، حدثنا  أبو أحمد الزبيري  ، حدثنا  عبد السلام هو ابن حرب  ، عن  عطاء بن السائب  ، عن  سعيد بن جبير  ، عن  ابن عباس  قال : لما نزل : ( تبت يدا أبي لهب   ) جاءت امرأة أبي لهب  إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه  أبو بكر  رضي الله عنه ، فلما رآها قال : يا رسول الله إنها امرأة بذية ، فلو قمت لا تؤذيك . قال : "إنها لن تراني . فجاءت فقالت : يا  أبا بكر  صاحبك هجاني . قال : لا ، وما يقول الشعر . قالت : أنت عندي تصدق وانصرفت . قلت : يا رسول الله ! لم ترك ؟ قال : لا ، لم يزل ملك يسترني منها بجناحه" . 
قرأت على أبي عبد الله محمد بن عثمان بن سلامة  بدمشق  ، أخبرك أبو القاسم الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن بن محمد بن البن الأسدي  قراءة عليه وأنت تسمع ، فأقر به ، أخبرنا جدي ، أخبرنا القاسم بن أبي العلاء  ، أخبرنا أبو محمد بن أبي نصر  ، أخبرنا خيثمة  ، حدثنا هلال يعني ابن العلاء الرقي  ، حدثنا سعيد بن عبد الملك  ، حدثنا  محمد بن سلمة  ، عن أبي عبد الرحيم  ، عن زيد هو ابن أبي أنيسة  ، عن  أبي إسحاق  ، عن  عمرو بن ميمون الأودي  ، حدثنا  عبد الله بن مسعود  ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام  ، ورفقة من المشركين من قريش  ، ونبي الله صلى الله عليه وسلم يصلي وقد نحر قبل ذلك جزور ، وقد بقي فرثه وقذره ، فقال أبو جهل   : ألا رجل يقوم إلى هذا القذر يلقيه على محمد   . ونبي الله صلى الله عليه وسلم ساجد ، إذ انبعث أشقاها ، فقام فألقاها عليه . قال عبد الله   : فهبنا أن نلقيه عنه ، حتى جاءت  فاطمة  رضي الله عنها فألقته عنه ، فقام فسمعته يقول ، وهو قائم يصلي : "اللهم اشدد وطأتك على مضر  ، سنين كسني يوسف  ، عليك بأبي الحكم بن هشام   - وهو أبو جهل -  ، وعتبة بن ربيعة  ، وشيبة بن ربيعة  ، والوليد بن عتبة  ، وعقبة  [ ص: 194 ] بن أبي معيط  ، وأمية بن خلف  ورجل آخر . ثم قال : رأيتهم من العام المقبل صرعى بالطوي طوي بدر  ، صرعى بالقليب"  . 
وأخبرنا ابن الواسطي  فيما قرأت عليه أخبرنا  ابن ملاعب  ، أخبرنا الأرموي  ، أخبرنا ابن المأمون  ، أخبرنا  الدارقطني  ، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن صالح الأزدي  ، حدثنا  الزبير بن بكار  ، حدثني أبو يحيى هارون بن بكر بن عبد الله الزهري  ، عن عبد الله بن سلمة  ، عن عبد الله بن عروة بن الزبير  ، عن أبيه  عروة بن الزبير  قال : حدثني عمرو بن عثمان بن عفان  ، عن أبيه  عثمان بن عفان  ، قال : أكثر ما نالت قريش  من رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته يوما - قال عمرو   : فرأيت عيني  عثمان بن عفان  ، زرفتا من تذكر ذلك - قال  عثمان بن عفان   : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت  ويده في يد  أبي بكر  ، وفي الحجر  ثلاثة نفر جلوس : عقبة بن أبي معيط  ، وأبو جهل بن هشام  ، وأمية بن خلف  ، فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما حاذاهم أسمعوه بعض ما يكره ، فعرف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم ، فدنوت منه حتى وسطته ، فكان بيني وبين  أبي بكر  ، وأدخل أصابعه في أصابعي حتى طفنا جميعا ، فلما حاذاهم قال أبو جهل   : والله لا نصالحك ما بل بحر صوفة ، وأنت تنهى أن نعبد ما يعبد آباؤنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا ذلك . ثم مضى عنهم ، فصنعوا به في الشوط الثالث مثل ذلك ، حتى إذا كان في الشوط الرابع ناهضوه ، ووثب أبو جهل  يريد أن يأخذ بمجامع ثوبه ، فدفعت في صدره ، فوقع على استه ، ودفع  أبو بكر  ، أمية بن خلف  ، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط  ، ثم انفرجوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف ، ثم قال : أما والله لا تنتهون حتى يحل بكم عقابه عاجلا . قال  [ ص: 195 ] عثمان   : فوالله ما منهم رجل إلا وقد أخذه أفكل وهو يرتعد ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بئس القوم أنتم لنبيكم ، ثم انصرف إلى بيته وتبعناه خلفه ، حتى انتهى إلى باب بيته ووقف على السدة ، ثم أقبل علينا بوجهه ، فقال : أبشروا ، فإن الله عز وجل مظهر دينه ، ومتم كلمته ، وناصر نبيه ، وإن هؤلاء الذين ترون مما يذبح الله بأيديكم عاجلا ، ثم انصرفنا إلى بيوتنا ، فوالله لقد رأيتم قد ذبحهم الله بأيدينا  . 
				
						
						
