ذكر نبذة من معجزاته عليه الصلاة والسلام  
وإن كان أكثر ما نورده هنا قد سبق إيراده لكن مفرقا ، والغرض الآن ذكره مجموعا كما فعلنا في الباب الذي قبله ، فمن ذلك : القرآن ، وهو أعظمهما ، وشق الصدر ، وإخباره عن البيت المقدس ، وانشقاق القمر ، وأن الملأ من قريش  تعاقدوا على قتله ، فخرج عليهم ، فخفضوا أبصارهم ، وسقطت أذقانهم في صدورهم ، وأقبل حتى قام على رؤوسهم ، فقبض قبضة من تراب وقال : "شاهت الوجوه" ، وحصبهم ، فما أصاب رجلا منهم شيء من ذلك الحصى إلا قتل يومبدر .  ورمى يوم حنين  بقبضة من تراب في وجوه القوم ، فهزمهم الله تعالى . ونسج العنكبوت عليه في الغار ، وما كان من أمر سراقة بن مالك بن جعشم ،  إذ تبعه في خبر الهجرة ، فساخت قوائم فرسه في الأرض الجلد . ومسح على ضرع عناق لم ينز عليها الفحل ، فدرت . وقصة شاة  أم معبد .  ودعوته لعمر  أن يعز الله به الإسلام . ودعوته  لعلي  أن يذهب الله عنه الحر والبرد ، وتفل في عينيه وهو أرمد فعوفي من ساعته ولم يرمد بعد ذلك . ورد عين  قتادة بن النعمان  بعد أن سالت على خده ، فكانت أحسن عينيه . ودعا  لعبد الله بن عباس  بالتأويل والفقه في الدين ، ودعا لجمل جابر  فصار سابقا بعد أن كان مسبوقا ، ودعا لأنس  بطول العمر ، وكثرة المال والولد ، ودعا في تمر حائط جابر  بالبركة ، فأوفى غرماءه ، وفضل ثلاثة عشر وسقا . واستسقى ، عليه الصلاة والسلام ، فمطروا أسبوعا ، ثم استصحى لهم فانجابت السحابة . ودعا على عتيبة بن أبي لهب  فأكله الأسد بالزرقاء  من الشام .  وشهدت له الشجر بالرسالة في خبر الأعرابي الذي دعاه إلى الإسلام ، فقال : هل من شاهد على ما تقول ؟ فقال : "نعم هذه الشجرة" ، ثم دعاها فأقبلت ، فاستشهدها فشهدت أنه كما قال ثلاثا ، ثم رجعت إلى منبتها ، وأمر شجرتين فاجتمعتا ثم افترقتا ، وأمر  أنسا  أن ينطلق إلى نخلات فيقول لهن : أمركن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أن تجتمعن ، فاجتمعن ، فلما قضى حاجته أمره أن يأمرهن بالعود إلى أماكنهن فعدن ، ونام فجاءت شجرة تشق الأرض حتى قامت عليه ، فلما استيقظ ذكرت  [ ص: 376 ] له ، فقال : "هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم علي فأذن لها . وسلم عليه الحجر والشجر ليالي بعث : السلام عليك يا رسول الله ، وقال :  "إني لأعرف حجرا بمكة  كان يسلم علي قبل أن أبعث ، إني لأعرفه الآن" ، وحن إليه الجذع ، وسبح الحصى في كفه ، وسبح الطعام بين أصابعه ، وأعلمته الشاة بسمها ، وشكا إليه البعير قلة العلف . وكثرة العمل ، وسألته الظبية أن يخلصها من الحبل لترضع ولديها وتعود ، فخلصها فعادت ، وتلفظت بالشهادتين . وأخبر عن مصارع المشركين يوم بدر ،  فلم يعد واحد منهم مصرعه . وأخبر أن طائفة من أمته يغزون في البحر ، وأن  أم حرام بنت ملحان  منهم ، فكان كذلك ، وقال  لعثمان بن عفان :  تصيبه بلوى شديدة فأصابته وقتل . 
وقال للأنصار   : "إنكم ستلقون بعدي أثرة" ، فكانت زمن  معاوية   . 
وقال في  الحسن   :  "إن ابني هذا سيد ، ولعل الله ، تعالى ، أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" ، فصالح  معاوية  ، وحقن دماء الفئتين من المسلمين . وأخبر بقتل الأسود العنسي الكذاب ،  وهو بصنعاء  ليلة قتله وبمن قتله . 
وقال لثابت بن قيس   : "تعيش حميدا وتقتل شهيدا" ، فقتل يوم اليمامة   . وارتد رجل ولحق بالمشركين فبلغه أنه مات ، فقال : "إن الأرض لا تقبله" ، فكان كذلك . 
وقال لرجل يأكل بشماله : "كل بيمينك" ، فقال : لا أستطيع ، فقال له : "لا استطعت" ، فلم يطق أن يرفعها إلى فيه بعد . ودخل مكة  عام الفتح والأصنام حول الكعبة معلقة ، وبيده قضيب ، فجعل يشير به إليها ويقول : "جاء الحق وزهق الباطل" ، وهي تتساقط . 
وقصة مازن بن الغضوبة ،  وخبر سواد بن قارب :  وأمثالهما كثير . وشهد الضب بنبوته ، وأطعم ألفا من صاع شعير بالخندق فشبعوا ، والطعام أكثر مما كان ، وأطعمهم من تمر يسير أيضا بالخندق ، وجمع فضل الأزواد على النطع فدعا لها بالبركة ، ثم قسمها في العسكر ، فقامت بهم ، وأتاه  أبو هريرة  بتمرات قد صفهن في يده ، وقال : ادع لي فيهن بالبركة ، ففعل : قال  أبو هريرة   : فأخرجت من ذلك التمر كذا وكذا وسقا في سبيل الله ، وكنا نأكل منه ونطعم حتى انقطع في زمن عثمان . ودعا أهل الصفة  لقصعة ثريد ، قال  أبو هريرة :  فجعلت أتطاول ليدعوني حتى قام القوم ، وليس في القصعة إلا اليسير في نواحيها ، فجمعه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فصار لقمة ، فوضعها على أصابعه وقال لي : "بسم الله" ، فوالذي نفسي بيده ، ما زلت آكل منها حتى شبعت . ونبع الماء من بين أصابعه حتى شرب القوم ، وتوضؤوا وهم ألف وأربعمائة ، وأتي بقدح فيه ماء فوضع أصابعه في القدح فلم يسع ، فوضع  [ ص: 377 ] أربعة منها ، وقال : "هلموا فتوضؤوا أجمعين" ، وهم من السبعين إلى الثمانين . 
وورد في غزوة تبوك  على ماء لا يروي واحدا ، والقوم عطاش ، فشكوا إليه ، فأخذ سهما من كنانته وأمر بغرسه ، ففار الماء وارتوى القوم ، وكانوا ثلاثين ألفا . وشكا إليه قوم ملوحة في مائهم ، فجاء في نفر من أصحابه حتى وقف على بئرهم ، فتفل فيه ، فتفجر بالماء العذب المعين ، وأتته امرأة بصبي لها أقرع ، فمسح على رأسه فاستوى شعره ، فذهب داؤه . وانكسر سيف  عكاشة بن محصن  يوم بدر ،  فأعطاه جذلا من حطب ، فصار في يده سيفا ، ولم يزل بعد ذلك عنده ، وكذلك وقع لعبد الله بن جحش  يوم أحد ،  وعزت كدية بالخندق عن أن يأخذها المعول ، فضربها فصارت كثيبا أهيل ، ومسح على رجل ابن عتيك  في خبر  أبي رافع  وقد انكسرت ، فكأنه لم يشتكها قط . 
ومعجزاته ، صلى الله عليه وسلم ، أكثر من أن يجمعها كتاب ، أو يحصرها ديوان . 
***  [ ص: 378 ]  50 
				
						
						
