الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما فرغ خالد بن الوليد من بيعة بني عامر وبني أسد قال : إن الخليفة قد عهد إلي أن أسير إلى أرض بني غانم ، فسار حتى نزل بأرضهم ، وبث فيها السرايا ،  فلم يلق بها جمعا ، وأتى بمالك بن نويرة في رهط من بني تميم وبني حنظلة ، فأمر بهم فضربت أعناقهم ، وتزوج مكانه أم تميم امرأة مالك بن نويرة ، فشهد أبو قتادة لمالك بن نويرة بالإسلام عند أبي بكر ، ثم رجع خالد يؤم المدينة ، فلما قدمها دخل المسجد ، وعليه درع معتجرا بعمامة ، وعليه قباء عليه صدأ الحديد ، قد غرز في عمامته أسهما ، فقام إليه عمر بن الخطاب فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها ، ثم قال : أقتلت امرأ مسلما مالك بن نويرة ، ثم تزوجت امرأته ، والله لنرجمنك بأحجارك وخالد [ ص: 170 ] بن الوليد لا يكلمه ولا يظن إلا أن رأي أبي بكر على مثل رأي عمر ، حتى دخل على أبي بكر فأخبره الخبر ، واعتذر إليه أنه لم يعلم ، فعذره أبو بكر وتجاوز عنه ما كان منه في حربه تلك ، فخرج خالد من عنده ، وعمر جالس في المسجد فقال : هلم إلي ابن أم شملة ، فعرف أن أبا بكر قد رضي عنه ، فلم يكلمه ، فقام فدخل بيته .

ثم ماتت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أبيها بستة أشهر ، فدفنها علي ليلا ، ولم يؤذن به أبا بكر ولا عمر ، وكان لعلي جهة من الناس حياة فاطمة ، فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي ، فلما رأى انصراف الناس ضرع علي إلى مصالحة أبي بكر ،  فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ، ولا تأتنا معك بأحد ، وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدته ، فقال عمر : لا تأتهم وحدك ، فقال أبو بكر : والله لآتينهم وحدي ، وما عسى أن يصنعوا بي ، فانطلق أبو بكر وحده حتى دخل على علي ، وقد جمع بني هاشم عنده ، فقام علي وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد ، فإنه لم يمنعنا أن نبايعك إنكارا لفضيلتك ، ولا نفاسة عليك بخير ساقه الله إليك ، ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا [ ص: 171 ] فاستبددت به علينا ، ثم ذكر قرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحقهم ، ولم يزل علي يذكر ذلك حتى بكى أبو بكر ، فلما صمت علي تشهد أبو بكر ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد ، والله لقرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي أن أصل من قرابتي ، وإني والله ما أعلم في هذه الأمور التي كانت بيني وبين علي إلا الخير ، ولكني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا نورث ما تركنا صدقة ، إنما يأكل آل محمد من هذه المال قوتا . وإني والله لا أدع أمرا صنع فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا صنعته إن شاء الله ، ثم قال : موعدك العشية للبيعة ، فلما صلى أبو بكر الظهر أقبل على الناس ، ثم عذر عليا ببعض ما اعتذر به ، ثم قام علي فعظم من حق أبي بكر ، وذكر فضيلته وسابقته ، ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه ، وأقبل الناس على علي فقالوا : أصبت وأحسنت .

التالي السابق


الخدمات العلمية