الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( فإن وطئ ) من ملك أختين ونحوهما ( إحداهما فليس له وطء الأخرى ) لعموم قوله تعالى { وأن تجمعوا بين الأختين } ( 1 ) فإنه يتناول العقد والوطء جميعا كسائر المذكورات في الآية يحرم وطؤهن والعقد عليهن ، ولأنها امرأة صارت فراشا فحرمت أختها كالزوجة .

                                                                                                                      ويستمر التحريم ( حتى يحرم الموطوءة على نفسه بعتق أو تزويج بعد استبرائها أو إزالة ملكه ولو ببيع ونحوه ) كهبة ( للحاجة ) إلى التفريق لأنه يحرم الجمع في النكاح ويحرم التفريق فلا بد من تقدم إحداهما .

                                                                                                                      وكلام الصحابة والفقهاء بعمومه يقتضي هذا ( قاله الشيخ وابن رجب ) وجزم بمعناه في المنتهى ( و ) حتى ( يعلم ) بعد البيع ونحوه ( أنها ليست بحامل ) قاله ابن عقيل ولا يكفي في إباحتها مجرد إزالة الملك حتى تنقضي حيضة الاستبراء فتكون الحيضة كالعدة .

                                                                                                                      قال أبو العباس هذا القيد في كلام أحمد وعامة الأصحاب ، وليس هو في كلام علي وابن عمر مع أن عليا لا يجوز وطء الأخت [ ص: 78 ] في عدة أختها ( ولا يكفي ) لإباحة وطء الأخرى ( استبراؤها ) أي الموطوءة ( بدون زوال الملك ) لأنه لا يؤمن عوده إليها فيكون جامعا بينهما ( ولا ) يكفي أيضا ( تحريمها ) أي الموطوءة بأن يقول هي حرام عليه ، لأن هذا يمين مكفرة ولو كان يحرمها ، إلا أنه لعارض متى شاء أزاله بالكفارة كالحيض والإحرام ( ولا زوال ملك ) عن الموطوءة ( بدون استبرائها ) لأن الاستبراء كالعدة .

                                                                                                                      ( ولا ) يكفي أيضا ( كتابتها ) لأنه بسبيل من استباحتها بما لا يقف على غيرهما ( ولا ) يكفي أيضا ( رهنها ) لأن منعه من وطئها لحق المرتهن لا لتحريمها ولذلك يجوز له وطؤها بإذن المرتهن ولأنه يقدر على فكها متى شاء ( ولا ) يكفي أيضا ( بيعها بشرط خيار ) له لأنه يقدر على استرجاعها متى شاء يفسخ البيع ( ومثله ) أي مثل البيع بشرط خيار له في عدم الاكتفاء به ( هبتها ) أي الموطوءة ( لمن يملك استرجاعها منه كهبتها لولده ) .

                                                                                                                      قال في الوجيز : فإن وطئ إحداهما لم تحل له الأخرى حتى يحرم الموطوءة بما لا يمكن أن يرفعه وحده وجزم به ابن عبدوس في تذكرته ويكفي في تحريم الموطوءة إخراج الملك في بعضها كبيع أو هبة جزء منها لأن ذلك تحريمها كبيع كلها فإن أخرج الملك لازما ثم عوض له المبيح للفسخ مثل أن يبيعها بسلعة ثم تتبين أنها كانت معيبة ، أو يفلس المشترى بالثمن أو يظهر في العوض تدليس أو يكون مغبونا .

                                                                                                                      فالذي يجب أن يقال في هذه المواضع أن يباح وطء الأخت بكل حال على عموم كلام الصحابة والفقهاء أحمد وغيره قاله في الاختيارات ( فلو خالف ) مشتري الأختين ونحوهما ( ووطئهما ) واحدة بعد واحدة فوطء الثانية محرم لأنه الذي حصل به جمع مائه في رحمهما ( لا حد فيه ) لشبهة الملك ( ولزمه أن يمسك عنهما حتى يحرم إحداهما ويشتريها ) لأن الثانية صارت فراشا له يلحقه نسب ولدها فحرمت عليه أختها أو نحوها كما لو وطئها ابتداء .

                                                                                                                      واستدلال من قال الأولى باقية على الحال بحديث { إن الحرام لا يحرم الحلال } لا يصح لأن الخبر ليس بصحيح قاله في الشرح .

                                                                                                                      وفي شرح المنتهى ويرد عليه إذا وطئ الأول وطئا محرما كفي حيض أو إحرام أو صوم فرض فإن أختها تحرم عليه بذلك ( فإن عادت ) التي أخرجها عن ملكه ( إلى ملكه ولو ) كان عودها إليه ( قبل وطء الباقية لم يصب واحدة منهما حتى يحرم الأخرى ) لما تقدم .

                                                                                                                      ( قال ابن نصر الله هذا إن لم يجب استبراء ) كما لو كان زوجها فطلقها الزوج قبل الدخول [ ص: 79 ] فيكف عنها وعن الأخرى حتى يحرم واحدة منهما ( فإن وجب ) الاستبراء بأن باعها أو وهبها ثم عادت إليه ( لم يلزمه ترك أختها ) أو نحوها ( فيه ) أي في زمن الاستبراء لأنها محرمة عليه زمنه بما لا يقدر على دفعه ، قاله في المبدع والتنقيح ( وهو حسن ) .

                                                                                                                      وقال الشيخ تقي الدين في المسودة وقد نص على أنها إذا رجعت إليه بعد خروجها عن ملكه لا تحل له إحداهما مع تعين الاستبراء ، قال لكن قال القاضي حسين : القياس يقتضي الاكتفاء بالاستبراء .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية