الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      [ ص: 209 ] فصل في النشوز وهو كراهة كل من الزوجين صاحبه وسوء عشرته يقال : نشزت المرأة على زوجها فهي ناشزة وناشز ، ونشز عليها زوجها جفاها وأضر بها قاله في المبدع وغيره ( وهو معصيتها إياه فيما يجب عليها ) مأخوذ من النشز وهو ما ارتفع من الأرض فكأنها ارتفعت عما فرض الله عليها من المعاشرة بالمعروف ويقال نشصت بالشين المعجمة والصاد المهملة ( وإذا ظهر منها أمارات النشوز بأن تتثاقل ) إذا دعاها ( أو تتدافع إذا دعاها إلى الاستمتاع أو تجيبه متبرمة متكرهة ويختل أدبها في حقه ، وعظها ) بأن يذكر لها ما أوجب الله عليها من الحق وما يلحقها من الإثم بالمخالفة ، وما يسقط بذلك من النفقة والكسوة ، وما يباح له من هجرها وضربها لقوله تعالى { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن } .

                                                                                                                      ( فإن رجعت إلى الطاعة والأدب حرم الهجر والضرب ) لزوال مبيحه ( وإن أصرت ) على ما تقدم ( وأظهرت النشوز بأن عصته وامتنعت من إجابته إلى الفراش ، أو خرجت من بيته بغير إذنه ونحو ذلك هجرها في المضجع ما شاء ) لقوله تعالى { واهجروهن في المضاجع } وقال ابن عباس " لا تضاجعها في فراشك " وقد { هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه فلم يدخل عليهن شهرا } متفق عليه .

                                                                                                                      ( و ) هجرها ( في الكلام ثلاثة أيام لا فوقها ) لحديث أبي هريرة { لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام } والهجر ضد الوصل والتهاجر التقاطع ( فإن أصرت ولم ترتدع ) بالهجر ( فله أن يضربها ) لقوله تعالى { واضربوهن } .

                                                                                                                      ( فيكون الضرب بعد الهجر في الفراش وتركها من الكلام ) ثلاثة أيام ( ضربا غير مبرح أي غير شديد ) لحديث عبد الله بن زمعة يرفعه { لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم } ( ويجتنب الوجه ) تكرمة له ( و ) يجتنب ( البطن والمواضع المخوفة ) خوف القتل .

                                                                                                                      ( و ) يجتنب المواضع ( المستحسنة ) لئلا يشوهها ، ويكون الضرب ( عشرة أسواط فأقل ) لقوله - صلى الله عليه وسلم - { لا يجلد أحدكم [ ص: 210 ] فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله } متفق عليه .

                                                                                                                      وفي الترغيب وغيره والأولى ترك ضربها إبقاء للمودة ( وقيل ) يضربها ( بدرة أو مخراق ) وهو منديل ملفوف ( لا بسوط ولا بخشب ) لأن المقصود التأديب وزجرها فيبدأ فيه بالأسهل فالأسهل ( فإن تلفت من ذلك فلا ضمان عليه ) لأنه مأذون فيه شرعا .

                                                                                                                      ( ويمنع منها ) أي من هذه الأشياء ( من ) أي زوج ( علم بمنعه حقها حتى يؤديه و ) حتى ( يحسن عشرتها ) لأنه يكون ظالما بطلبه حقه مع منعه حقها وينبغي للمرأة أن لا تغضب زوجها لما روى أحمد بسنده عن الحصين بن المحصن { أن عمة له أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ذات زوج أنت ؟ قالت : نعم فقال انظري أين أنت منه ؟ فإنما هو جنتك ونارك } قال في الفروع : إسناده جيد وينبغي للزوج مداراتها نقل ابن منصور : حسن الخلق أن لا تغضب ولا تحقد وحدث رجل لأحمد ما قيل : العافية عشرة أجزاء تسعة منها في التغافل فقال أحمد العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل ( ولا يسأله أحد لم ضربها ؟ ولا أبوها ) لما روى أبو داود عن الأشعث عن عمر أنه قال يا أشعث احفظ مني شيئا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تسألن رجلا فيم ضرب امرأته ؟ " ( ولأن فيه إبقاء للمودة ) ولأنه قد يضربها لأجل الفراش فإن أخبر بذلك استحى ، وإن أخبر بغيره كذب .

                                                                                                                      ( وله تأديبها على ترك فرائض الله تعالى ) كالصلاة والصوم الواجبين ( نصا ) قال علي رضي الله عنه في قوله تعالى { قوا أنفسكم وأهليكم نارا } قال " علموهم وأدبوهم " وروى الخلال بإسناده عن جابر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { رحم الله عبدا علق في بيته سوطا يؤدب به أهله } ، فإن لم تصل فقال أحمد أخشى أن لا يحل للرجل أن يقيل مع امرأة لا تصلي ولا تغتسل من الجنابة ولا تتعلم القرآن ولا يؤدبها في حادث متعلق بحق الله تعالى كسحاق .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية