nindex.php?page=treesubj&link=10689_10719_15201_10705_10706_25711 ( رجل ) غصب من رجل جارية فعيبها فأقام المغصوب منه البينة أنه قد غصب جارية له ، فإنه يحبس حتى يجيء بها ويردها على صاحبها ، ( وكان )
أبو بكر الأعمش - رحمه الله - يقول : تأويل هذه المسألة أن الشهود شهدوا على إقرار الغاصب بذلك ; لأن الثابت من إقراره بالبينة كالثابت بالمعاينة ، فأما الشهادة على فعل الغصب لا تقبل مع جهالة المغصوب ; لأن المقصود إثبات الملك للمدعي في المغصوب ، ولا يتمكن القاضي من القضاء بالمجهول ، ولا بد من الإشارة إلى ما هو المقصود بالدعوى في الشهادة ، ولكن الأصح أن هذه الدعوى والشهادة صحيحة لأجل الضرورة ، فإن الغاصب يكون ممتنعا من إحضار المغصوب عادة ، وحين يغصب فإنما يتأتى من الشهود معاينة فعل الغاصب دون العلم بأوصاف المغصوب ، فسقط اعتبار علمهم بالأوصاف ; لأجل التعذر ، ويثبت بشهادتهم فعل الغصب في محل هو مال متقوم ، فصار ثبوت ذلك بالبينة كثبوته بإقراره فيحبس حتى يجيء به ، ولأن وجوب الرد على الغاصب ثابت بنفس الفعل ، وهذا معلوم من شهادتهم ، فيتمكن القاضي من القضاء به ; فلهذا يحبسه حتى يجيء بها ويردها على صاحبها ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=10708_15362_25711قال الغاصب : قد ماتت أو قد بعتها ولا أقدر عليها تلوم القاضي في ذلك زمانا ، ولم يعجل بالقضاء بالقيمة ; لأن بقضائه يتحول الحق من العين إلى القيمة ، وفيه نوع ضرر على صاحبها ، فعين الملك مقصود لصاحبها كماليتها ، وربما يتعلل الغاصب بذلك لتسلم العين عند أداء القيمة ; فلهذا لا يعجل بالقضاء بها ، وليس لمدة التلوم مقدار بل يكون ذلك موكولا إلى رأي القاضي ; لأن نصب المقادير بالرأي لا يكون ، وهذا التلوم إذا لم يرض المغصوب منه بالقضاء بالقيمة له ، فأما إذا رضي بذلك أو تلوم له القاضي فلم يقدر على الجارية ، فإن اتفقا في قيمتها على شيء أو
nindex.php?page=treesubj&link=10769_15201_15253_15203_15202أقام المغصوب منه البينة على ما يدعي من قيمتها قضى له القاضي بذلك ، وإن لم يكن له بينة فالقول قول الغاصب مع يمينه ; لأن المالك يدعي الزيادة وهو منكر لها .
فإن استحلف فنكل كان نكوله بمنزلة إقراره بما يدعيه المالك ، وإن حلف قضي له بما أقر به الغاصب ; لأن ما زاد على ذلك انتفى عنه بيمينه ما لم يقم المالك حجة عليه ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=10766ظهرت الجارية بعد ذلك ، فإن كان القضاء بالقيمة بالبينة أو بالنكول أو بالإقرار من الغاصب بما ادعى المالك فالجارية له لا سبيل للمغصوب منه عليها ، وإن كان القضاء بالقيمة بزعم الغاصب بعد ما يحلف يخير المغصوب منه ، فإن شاء استردها ورد ما قبض على الغاصب ، وإن شاء
[ ص: 67 ] أمسك تلك القيمة ، ولا سبيل له عليها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي رحمه الله هذا إذا كانت قيمتها بعد ما ظهرت أكثر مما قال الغاصب ، فأما إذا كانت قيمتها مثل ما قال الغاصب ، فلا خيار له في استردادها ; لأنه يوفر عليه بدل ملكه بكماله . وفي ظاهر الرواية الجواب مطلق وهو الصحيح ; لأنه لم يتم رضاه بزوال ملكه عن العين إذا لم يعط ما يدعيه من القيمة ، وثبوت الخيار له لانعدام تمام الرضا من جهته ، وذلك لا يختلف باختلاف قيمتها فقد لا يرضى الإنسان بزوال العين عن ملكه بقيمته ، وهذا كله مذهبنا ، أما عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى فالجارية باقية على ملك مولاها فيستردها إذا ظهرت ، ويرد ما قبض من القيمة .
( وبعض ) المتقدمين من أصحابنا رحمهم الله يقول : سبب الملك عندنا يقرر الضمان على الغاصب لكي لا يجتمع البدل ، والمبدل في ملك رجل واحد ، وهو معنى قولهم : المضمونات تملك بالضمان ، ولكن هذا غلط ; لأن الملك عندنا يثبت من وقت الغصب ; ولهذا نفذ بيع الغاصب وسلم الكسب له .
( وبعض ) المتأخرين رحمهم الله : يقول الغصب هو
nindex.php?page=treesubj&link=10766_27614السبب الموجب للملك عند أداء الضمان ، وهذا أيضا وهم ، فإن الملك لا يثبت عند أداء الضمان من وقت الغصب للغاصب حقيقة ; ولهذا لا يسلم له الولد . ولو كان الغصب هو السبب للملك لكان إذا تم له الملك بذلك السبب يملك الزوائد المتصلة والمنفصلة كالبيع الموقوف إذا تم بالإجازة يملك المشتري المبيع بزوائده المتصلة والمنفصلة ، ومع هذا في هذه العبارة بعض الشنعة فالغصب هو عدوان محض ، والملك حكم مشروع مرغوب فيه ، فيكون سببه مشروعا مرغوبا فيه ، ولا يصح أن يجعل العدوان المحض سببا له ، فإنه ترغيب للناس فيه لتحصيل ما هو مرغوب لهم به ، ولا يجوز إضافة مثله إلى الشرع ، فالأسلم أن يقول : الغصب موجب رد العين ورد القيمة عند تعذر رد العين بطريق الجبران مقصودا بهذا السبب ، ثم يثبت الملك به للغاصب شرطا للقضاء بالقيمة لا حكما ثابتا بالغصب مقصودا ; ولهذا لا يملك الولد ; لأن الملك كان شرطا للقضاء بالقيمة ، والولد غير مضمون بالقيمة ، وهو بعد الانفصال ليس يتبع ، فلا يثبت هذا الحكم فيه بخلاف الزيادة المتصلة ، فإنه تبع محض ، والكسب كذلك بدل المنفعة فيكون تبعا محضا ، وثبوت الحكم في التبع كثبوته في الأصل سواء ثبت في المتبوع مقصودا بسببه أو شرطا لغيره . وجه قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله الاستدلال بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } فالله تعالى جعل أكل مال الغير قسمين قسم بالباطل ، وقسم بالتجارة عن تراض ، وهذا
[ ص: 68 ] ليس بتجارة عن تراض فيكون أكلا بالباطل ، والمعنى فيه أن الغصب عدوان محض ; لأنه ليس فيه شبهة الإباحة بوجه ما ، فلا يكون موجبا للملك كالقتل . وتأثيره ما قلنا : أن الملك حكم مشروع فيستدعي سببا مشروعا ، والعدوان المحض ضد المشروع ، فأدنى درجات المشروع أن يكون مرضيا به ، وأن يكون مباحا ، والعدوان المحض ضده ، ولا يجوز أن يثبت الملك بضمان القيمة ; لأن هذا ضمان جبران فيكون بمقابلة الفائت بالغصب ، والفائت بالغصب يد المالك لا ملكه .
فعرفنا أن هذا الضمان بمقابلة النقصان الذي حل بيد الغاصب لا أن يكون بدلا عن العين ; ولهذا قلتم : لو
nindex.php?page=treesubj&link=10726_10766هشم قلب فضة لإنسان ، وقضى القاضي عليه بالقيمة ، ثم افترقا من غير قبض لا يبطل القضاء ، ولو كان بدلا عن العين كان صرفا فيبطل بالافتراق من غير قبض ، ولما ثبت أن هذا الضمان بطريق الجبران ، فلا يكون الجبران بتفويت ما هو قائم بل هو بإحياء ما هو فائت ، وملكه في العين كان قائما ، فلو جعلناه زائلا بالقضاء بالقيمة له كان هذا تفويتا لا جبرانا ، ولا كانت القيمة بدلا عن العين فهو حلف يصار إليه عند وقوع اليأس عن رد العين ، ومثل هذا الحلف يسقط اعتباره عند ظهور العين كما لو
nindex.php?page=treesubj&link=9401_26285_24713_9423قلع سن إنسان فاستوفي به حولا كاملا ، ثم قضى له بالأرش فقبض ، ثم نبت سنه يلزمه رد المقبوض من الأرش بهذا المعنى ، واعتمادهم على فصل المدبر ، وبهذا يتضح جميع ما قلنا ، فإن الغصب يتحقق في المدبر ، وسبب الملك عندكم لا يتحقق في المدبر ، وبقضاء القاضي بالقيمة لا يزول عن ملكه ، ولو كان شرط القضاء بالقيمة انعدام ملكه في العين أو كانت العين بدلا عن العين لما قضى القاضي بها في محل لا يتحقق فيه هذا الشرط ، وإن تم بقضاء القاضي ينبغي أن يزول ملكه عن المدبر ، كما لو قضى بجواز بيع المدبر .
وحجتنا في ذلك {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80830قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشاة المغصوبة المصلية : أطعموها الأسارى } فقد أمرهم بالتصدق بها ، ولو لم يملكوها لما أمرهم بالتصدق بها ; لأن التصدق بملك الغير إذا كان مالكه معلوما لا يجوز ، ولكن يحفظ عليه عين ملكه ، فإن تعذر ذلك يباع ، ويحفظ عليه ثمنه . والمعنى فيه أن الغصب الموجب للضمان مختص بمحل هو مال متقوم فيثبت الملك به إذا أمكن كالبيع والصلح .
وبيان الوصف أن غصب الحر لا يتحقق موجبا للضمان ; لأنه ليس بمال ، وكذلك غصب الخمر من المسلم ; لأنه غير متقوم ، وتأثيره أن اختصاص السبب بمحل لا يكون إلا لاختصاصه بحكم يختص بذلك المحل ، فالمحل الذي هو مال متقوم يختص بصحة التمليك فيه ، فلما اختص الغصب الموجب للضمان به عرفنا أنه إنما اختص بهذا الحكم ، فإن الفعل الذي
[ ص: 69 ] هو عدوان محض ، وإزالة اليد المحترمة لا تختص بمحل هو مال متقوم . ثم حقيقة المعنى أن الضمان الواجب على الغاصب بدل العين ، ألا ترى أنه يقوم العين به ، وأنه يسمي الواجب قيمة العين ، ويتقدر بمالية العين ، ولأن الضمان بمقابلة ما هو المقصود ، ومقصود صاحب الدراهم عين الدراهم لامتلاء كيسه بها ، فعرفنا أن الضمان بدل العين ، وإنما يقضى بها جبرانا ، والجبران يستدعي الفوات لا محالة ; لأنه إنما يجيز الفائت دون القائم ، فكان من ضرورة القضاء بقيمة العين انعدام ملكه في العين فيكون جبرانا لما هو فائت ، وما لا يمكن إثباته إلا بشرط ، فإذا وقعت الحاجة إلى إثباته يقدم شرطه عليه لا محالة ، كما إذا قال لغيره : أعتق عبدك عني على ألف درهم فأعتقه ، يقدم التمليك منه على نفوذ العتق منه ضرورة كونه شرطا في المحل إلا أن يكون قوله : أعتقه عني سببا للتمليك مقصودا .
إذا تقرر هذا تبين أنه إنما يثبت بالعدوان المحض ما هو حسن مشروع به ، وهو القضاء بالقيمة جبرانا لحقه في الفائت ، ثم انعدام الملك في العين لما كان من شرطه هذا المشروع يثبت به ، ويكون حسنا بجنسه ; ولهذا لا يشترط التقابض ; لأن شرط التقابض فيما هو سبب للملك مقصود إلا فيما يثبت شرطا لغيره ، كما لا يشترط القبول في قوله : أعتق عبدك عني على ألف درهم ; لأن شرط القبول في سبب ملك مقصود لا فيما هو شرط لغيره ; ولهذا قلنا : إن
nindex.php?page=treesubj&link=10709_10766المغصوب ، وإن كان هالكا عند القضاء بالقيمة يصير مملوكا للغاصب ; لأن الهالك مما لا يقبل التمليك مقصود بسببه لا شرطا لغيره ، وكذلك يقول : إذا أخذ القيمة بزعم الغاصب فالعين لا تبقى على ملكه ، ولكن يتخير عند ظهوره لعدم تمام الرضى به ، كالمشتري إذا وجد بالمبيع عيبا .
( فأما )
nindex.php?page=treesubj&link=10766_23946المدبر ففي تخريجه طريقان :
أحدهما : أن هناك لا يقول ببقاء العين على ملكه بعد تقرر حقه في القيمة بل يجعل زائلا عن ملكه لتحقيق هذا الشرط ; ولهذا لو لم يظهر المدبر بعد ذلك وظهر له كسب فذلك الكسب يكون للغاصب دون المغصوب منه إلا أنه إذا ظهر المدبر يعاد إليه صيانة لحق المدبر ، فإن حق العتق ثبت له بالتدبير عندنا .
الثاني : أن في المدبر القيمة ليست ببدل عن العين ; لأن ما هو شرطه وهو انعدام الملك في العين متعذر في المدبر ، فيجعل هذا خلفا عن النقصان الذي حل بيده ، ولكن هذا عند الضرورة ففي كل محل يمكن اتحاد الشرط لا تتحقق الضرورة فيجعل بدلا عن العين ، وإذا تعذر اتحاد الشرط يجعل خلفا عن النقصان الذي حل بيده ، ونظيره فصلان :
أحدهما ضمان العتق ، فإنه بمقابلة العين في كل محل يمكن اتحاد الشرط ، وهو تمليك العين ، وفيما لا يحتمل
[ ص: 70 ] اتحاد هذا الشرط كالمدبر ، وأم الولد عندهم لا يجعل بدلا عن العين ، وكذلك ضمان الصلح ، فإنه إذا أخذ القيمة بالتراضي كان المأخوذ بدلا عن العين في كل محل يحتمل تمليك العين ، وفي كل محل لا يحتمل تمليك العين يجعل المأخوذ بمقابلة الجناية التي حلت بيده ، وكذلك إذا أخذ القيمة بقضاء القاضي ، وفيما تلا من الآية بيان أن
nindex.php?page=treesubj&link=24475_10766الأكل بالتجارة عن تراض جائز لا أن يكون الجواز مقصودا عليه ، ثم معنى التجارة عن تراض يندرج هنا من وجه ، فإن المالك هنا متمكن من أن يصبر حتى تظهر العين فيأخذها .
فحين طالب بالقيمة مع علمه أن من شرطه انعدام ملكه في العين ، فقد صار راضيا بذلك ; لأن من طلب شيئا لا يتوصل إليه إلا بشرط كان راضيا بالشرط كما يكون راضيا بمطلوبه .
nindex.php?page=treesubj&link=10689_10719_15201_10705_10706_25711 ( رَجُلٌ ) غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً فَعَيَّبَهَا فَأَقَامَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ غَصَبَ جَارِيَةً لَهُ ، فَإِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَجِيءَ بِهَا وَيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا ، ( وَكَانَ )
أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ : تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْغَاصِبِ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الثَّابِتَ مِنْ إقْرَارِهِ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ ، فَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى فِعْلِ الْغَصْبِ لَا تُقْبَلُ مَعَ جَهَالَةِ الْمَغْصُوبِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي فِي الْمَغْصُوبِ ، وَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِالْمَجْهُولِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالدَّعْوَى فِي الشَّهَادَةِ ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ صَحِيحَةٌ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَكُونُ مُمْتَنِعًا مِنْ إحْضَارِ الْمَغْصُوبِ عَادَةً ، وَحِينَ يَغْصِبُ فَإِنَّمَا يَتَأَتَّى مِنْ الشُّهُودِ مُعَايَنَةُ فِعْلِ الْغَاصِبِ دُونَ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَغْصُوبِ ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُ عِلْمِهِمْ بِالْأَوْصَافِ ; لِأَجْلِ التَّعَذُّرِ ، وَيَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ فِعْلُ الْغَصْبِ فِي مَحَلٍّ هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ ، فَصَارَ ثُبُوتُ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ كَثُبُوتِهِ بِإِقْرَارِهِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يَجِيءَ بِهِ ، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الرَّدِّ عَلَى الْغَاصِبِ ثَابِتٌ بِنَفْسِ الْفِعْلِ ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ شَهَادَتِهِمْ ، فَيَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِهِ ; فَلِهَذَا يَحْبِسُهُ حَتَّى يَجِيءَ بِهَا وَيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا ، فَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10708_15362_25711قَالَ الْغَاصِبُ : قَدْ مَاتَتْ أَوْ قَدْ بِعْتُهَا وَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا تَلَوَّمَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ زَمَانًا ، وَلَمْ يُعَجِّلْ بِالْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ ; لِأَنَّ بِقَضَائِهِ يَتَحَوَّلُ الْحَقُّ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ ، وَفِيهِ نَوْعُ ضَرَرٍ عَلَى صَاحِبِهَا ، فَعَيْنُ الْمِلْكِ مَقْصُودٌ لِصَاحِبِهَا كَمَالِيَّتُهَا ، وَرُبَّمَا يَتَعَلَّلُ الْغَاصِبُ بِذَلِكَ لِتَسَلُّمِ الْعَيْنِ عِنْدَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ ; فَلِهَذَا لَا يُعَجِّلُ بِالْقَضَاءِ بِهَا ، وَلَيْسَ لِمُدَّةِ التَّلَوُّمِ مِقْدَارٌ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مَوْكُولًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي ; لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ لَا يَكُونُ ، وَهَذَا التَّلَوُّمُ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ لَهُ ، فَأَمَّا إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ أَوْ تَلَوَّمَ لَهُ الْقَاضِي فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجَارِيَةِ ، فَإِنْ اتَّفَقَا فِي قِيمَتِهَا عَلَى شَيْءٍ أَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=10769_15201_15253_15203_15202أَقَامَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ قِيمَتِهَا قَضَى لَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ ; لِأَنَّ الْمَالِكَ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ وَهُوَ مُنْكِرٌ لَهَا .
فَإِنْ اُسْتُحْلِفَ فَنَكِلَ كَانَ نُكُولُهُ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِمَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ ، وَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ لَهُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْغَاصِبُ ; لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ انْتَفَى عَنْهُ بِيَمِينِهِ مَا لَمْ يُقِمْ الْمَالِكُ حُجَّةً عَلَيْهِ ، فَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10766ظَهَرَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْقِيمَةِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالنُّكُولِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ مِنْ الْغَاصِبِ بِمَا ادَّعَى الْمَالِكُ فَالْجَارِيَةُ لَهُ لَا سَبِيلَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْقِيمَةِ بِزَعْمِ الْغَاصِبِ بَعْدَ مَا يَحْلِفُ يُخَيَّرُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ، فَإِنْ شَاءَ اسْتَرَدَّهَا وَرَدَّ مَا قَبَضَ عَلَى الْغَاصِبِ ، وَإِنْ شَاءَ
[ ص: 67 ] أَمْسَكَ تِلْكَ الْقِيمَةَ ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15071الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا بَعْدَ مَا ظَهَرَتْ أَكْثَرَ مِمَّا قَالَ الْغَاصِبُ ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الْغَاصِبُ ، فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي اسْتِرْدَادِهَا ; لِأَنَّهُ يُوَفِّرُ عَلَيْهِ بَدَلَ مِلْكِهِ بِكَمَالِهِ . وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْجَوَابُ مُطْلَقٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ الْعَيْنِ إذَا لَمْ يُعْطَ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْقِيمَةِ ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُ لِانْعِدَامِ تَمَامِ الرِّضَا مِنْ جِهَتِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قِيمَتِهَا فَقَدْ لَا يَرْضَى الْإِنْسَانُ بِزَوَالِ الْعَيْنِ عَنْ مِلْكِهِ بِقِيمَتِهِ ، وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُنَا ، أَمَّا عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَالْجَارِيَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ مَوْلَاهَا فَيَسْتَرِدُّهَا إذَا ظَهَرَتْ ، وَيَرُدُّ مَا قَبَضَ مِنْ الْقِيمَةِ .
( وَبَعْضُ ) الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَقُولُ : سَبَبُ الْمِلْكِ عِنْدَنَا يُقَرِّرُ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ لِكَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ ، وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ : الْمَضْمُونَاتُ تُمْلَكُ بِالضَّمَانِ ، وَلَكِنَّ هَذَا غَلَطٌ ; لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَنَا يَثْبُتُ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ ; وَلِهَذَا نَفَذَ بَيْعُ الْغَاصِبِ وَسُلِّمَ الْكَسْبُ لَهُ .
( وَبَعْضُ ) الْمُتَأَخِّرِينَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ : يَقُولُ الْغَصْبُ هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=10766_27614السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْمِلْكِ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ ، وَهَذَا أَيْضًا وَهْمٌ ، فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ لِلْغَاصِبِ حَقِيقَةً ; وَلِهَذَا لَا يُسَلَّمُ لَهُ الْوَلَدُ . وَلَوْ كَانَ الْغَصْبُ هُوَ السَّبَبُ لِلْمِلْكِ لَكَانَ إذَا تَمَّ لَهُ الْمِلْكُ بِذَلِكَ السَّبَبِ يَمْلِكُ الزَّوَائِدَ الْمُتَّصِلَةَ وَالْمُنْفَصِلَةَ كَالْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ إذَا تَمَّ بِالْإِجَازَةِ يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ ، وَمَعَ هَذَا فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَعْضُ الشُّنْعَةِ فَالْغَصْبُ هُوَ عُدْوَانٌ مَحْضٌ ، وَالْمِلْكُ حُكْمٌ مَشْرُوعٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ ، فَيَكُونُ سَبَبُهُ مَشْرُوعًا مَرْغُوبًا فِيهِ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ الْعُدْوَانُ الْمَحْضُ سَبَبًا لَهُ ، فَإِنَّهُ تَرْغِيبٌ لِلنَّاسِ فِيهِ لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ مَرْغُوبٌ لَهُمْ بِهِ ، وَلَا يَجُوزُ إضَافَةُ مِثْلِهِ إلَى الشَّرْعِ ، فَالْأَسْلَمُ أَنْ يَقُولَ : الْغَصْبُ مُوجِبٌ رَدَّ الْعَيْنِ وَرَدَّ الْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ مَقْصُودًا بِهَذَا السَّبَبِ ، ثُمَّ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِهِ لِلْغَاصِبِ شَرْطًا لِلْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ لَا حُكْمًا ثَابِتًا بِالْغَصْبِ مَقْصُودًا ; وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْوَلَدَ ; لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ شَرْطًا لِلْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ ، وَالْوَلَدُ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْقِيمَةِ ، وَهُوَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ لَيْسَ يَتْبَعُ ، فَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ فِيهِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ ، فَإِنَّهُ تَبَعٌ مَحْضٌ ، وَالْكَسْبُ كَذَلِكَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ فَيَكُونُ تَبَعًا مَحْضًا ، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي التَّبَعِ كَثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ سَوَاءٌ ثَبَتَ فِي الْمَتْبُوعِ مَقْصُودًا بِسَبَبِهِ أَوْ شَرْطًا لِغَيْرِهِ . وَجْهُ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } فَاَللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ أَكْلَ مَالِ الْغَيْرِ قِسْمَيْنِ قِسْمٌ بِالْبَاطِلِ ، وَقِسْمٌ بِالتِّجَارَةِ عَنْ تَرَاضٍ ، وَهَذَا
[ ص: 68 ] لَيْسَ بِتِجَارَةٍ عَنْ تَرَاضٍ فَيَكُونُ أَكْلًا بِالْبَاطِلِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْغَصْبَ عُدْوَانٌ مَحْضٌ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ بِوَجْهٍ مَا ، فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْمِلْكِ كَالْقَتْلِ . وَتَأْثِيرُهُ مَا قُلْنَا : أَنَّ الْمِلْكَ حُكْمٌ مَشْرُوعٌ فَيَسْتَدْعِي سَبَبًا مَشْرُوعًا ، وَالْعُدْوَانُ الْمَحْضُ ضِدُّ الْمَشْرُوعِ ، فَأَدْنَى دَرَجَاتِ الْمَشْرُوعِ أَنْ يَكُونَ مَرْضِيًّا بِهِ ، وَأَنْ يَكُونَ مُبَاحًا ، وَالْعُدْوَانُ الْمَحْضُ ضِدُّهُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ الْمِلْكَ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ ; لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جُبْرَانٍ فَيَكُونُ بِمُقَابَلَةِ الْفَائِتِ بِالْغَصْبِ ، وَالْفَائِتُ بِالْغَصْبِ يَدُ الْمَالِكِ لَا مِلْكُهُ .
فَعَرَفْنَا أَنَّ هَذَا الضَّمَانَ بِمُقَابَلَةِ النُّقْصَانِ الَّذِي حَلَّ بِيَدِ الْغَاصِبِ لَا أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ ; وَلِهَذَا قُلْتُمْ : لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=10726_10766هَشَّمَ قُلْبَ فِضَّةٍ لِإِنْسَانٍ ، وَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ ، ثُمَّ افْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ ، وَلَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ كَانَ صَرْفًا فَيَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ ، وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الضَّمَانَ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ ، فَلَا يَكُونُ الْجُبْرَانُ بِتَفْوِيتِ مَا هُوَ قَائِمٌ بَلْ هُوَ بِإِحْيَاءِ مَا هُوَ فَائِتٌ ، وَمِلْكُهُ فِي الْعَيْنِ كَانَ قَائِمًا ، فَلَوْ جَعَلْنَاهُ زَائِلًا بِالْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ لَهُ كَانَ هَذَا تَفْوِيتًا لَا جُبْرَانًا ، وَلَا كَانَتْ الْقِيمَةُ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ فَهُوَ حَلِفٌ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ وُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْ رَدِّ الْعَيْنِ ، وَمِثْلُ هَذَا الْحَلِفِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ ظُهُورِ الْعَيْنِ كَمَا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=9401_26285_24713_9423قَلَعَ سِنَّ إنْسَانٍ فَاسْتُوْفِيَ بِهِ حَوْلًا كَامِلًا ، ثُمَّ قَضَى لَهُ بِالْأَرْشِ فَقَبَضَ ، ثُمَّ نَبَتَ سِنُّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ مِنْ الْأَرْشِ بِهَذَا الْمَعْنَى ، وَاعْتِمَادُهُمْ عَلَى فَصْلِ الْمُدَبَّرِ ، وَبِهَذَا يَتَّضِحُ جَمِيعُ مَا قُلْنَا ، فَإِنَّ الْغَصْبَ يَتَحَقَّقُ فِي الْمُدَبَّرِ ، وَسَبَبُ الْمِلْكِ عِنْدَكُمْ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُدَبَّرِ ، وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ لَا يَزُولُ عَنْ مِلْكِهِ ، وَلَوْ كَانَ شَرْطُ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ انْعِدَامَ مِلْكِهِ فِي الْعَيْنِ أَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ لَمَا قَضَى الْقَاضِي بِهَا فِي مَحَلٍّ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ هَذَا الشَّرْطُ ، وَإِنْ تَمَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي يَنْبَغِي أَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ عَنْ الْمُدَبَّرِ ، كَمَا لَوْ قَضَى بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ .
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80830قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّاةِ الْمَغْصُوبَةِ الْمَصْلِيَّةِ : أَطْعِمُوهَا الْأَسَارَى } فَقَدْ أَمَرَهُمْ بِالتَّصَدُّقِ بِهَا ، وَلَوْ لَمْ يَمْلِكُوهَا لَمَا أَمَرَهُمْ بِالتَّصَدُّقِ بِهَا ; لِأَنَّ التَّصَدُّقَ بِمِلْكِ الْغَيْرِ إذَا كَانَ مَالِكُهُ مَعْلُومًا لَا يَجُوزُ ، وَلَكِنْ يُحْفَظُ عَلَيْهِ عَيْنُ مِلْكِهِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ يُبَاعُ ، وَيُحْفَظُ عَلَيْهِ ثَمَنُهُ . وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْغَصْبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ مُخْتَصٌّ بِمَحِلٍّ هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِهِ إذَا أَمْكَنَ كَالْبَيْعِ وَالصُّلْحِ .
وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ غَصْبَ الْحُرِّ لَا يَتَحَقَّقُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَكَذَلِكَ غَصْبُ الْخَمْرِ مِنْ الْمُسْلِمِ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ ، وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ اخْتِصَاصَ السَّبَبِ بِمَحِلٍّ لَا يَكُونُ إلَّا لِاخْتِصَاصِهِ بِحُكْمٍ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْمَحِلِّ ، فَالْمَحِلُّ الَّذِي هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ يَخْتَصُّ بِصِحَّةِ التَّمْلِيكِ فِيهِ ، فَلَمَّا اخْتَصَّ الْغَصْبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ بِهِ عَرَفْنَا أَنَّهُ إنَّمَا اخْتَصَّ بِهَذَا الْحُكْمِ ، فَإِنَّ الْفِعْلَ الَّذِي
[ ص: 69 ] هُوَ عُدْوَانٌ مَحْضٌ ، وَإِزَالَةُ الْيَدِ الْمُحْتَرَمَةِ لَا تَخْتَصُّ بِمَحِلٍّ هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ . ثُمَّ حَقِيقَةُ الْمَعْنَى أَنَّ الضَّمَانَ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ بَدَلُ الْعَيْنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَوِّمُ الْعَيْنَ بِهِ ، وَأَنَّهُ يُسَمِّي الْوَاجِبَ قِيمَةَ الْعَيْنِ ، وَيَتَقَدَّرُ بِمَالِيَّةِ الْعَيْنِ ، وَلِأَنَّ الضَّمَانَ بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ ، وَمَقْصُودُ صَاحِبِ الدَّرَاهِمِ عَيْنُ الدَّرَاهِمِ لِامْتِلَاءِ كِيسِهِ بِهَا ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ الْعَيْنِ ، وَإِنَّمَا يُقْضَى بِهَا جُبْرَانًا ، وَالْجُبْرَانُ يَسْتَدْعِي الْفَوَاتَ لَا مَحَالَةَ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يُجِيزُ الْفَائِتَ دُونَ الْقَائِمِ ، فَكَانَ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ انْعِدَامُ مِلْكِهِ فِي الْعَيْنِ فَيَكُونُ جُبْرَانًا لِمَا هُوَ فَائِتٌ ، وَمَا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِشَرْطٍ ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِهِ يُقَدَّمُ شَرْطُهُ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ ، كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ : أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَهُ ، يُقَدَّمُ التَّمْلِيكُ مِنْهُ عَلَى نُفُوذِ الْعِتْقِ مِنْهُ ضَرُورَةَ كَوْنِهِ شَرْطًا فِي الْمَحِلِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : أَعْتِقْهُ عَنِّي سَبَبًا لِلتَّمْلِيكِ مَقْصُودًا .
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْعُدْوَانِ الْمَحْضِ مَا هُوَ حَسَنٌ مَشْرُوعٌ بِهِ ، وَهُوَ الْقَضَاءُ بِالْقِيمَةِ جُبْرَانًا لِحَقِّهِ فِي الْفَائِتِ ، ثُمَّ انْعِدَامُ الْمِلْكِ فِي الْعَيْنِ لَمَّا كَانَ مِنْ شَرْطِهِ هَذَا الْمَشْرُوعُ يَثْبُتُ بِهِ ، وَيَكُونُ حَسَنًا بِجِنْسِهِ ; وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ ; لِأَنَّ شَرْطَ التَّقَابُضِ فِيمَا هُوَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ مَقْصُودٌ إلَّا فِيمَا يَثْبُتُ شَرْطًا لِغَيْرِهِ ، كَمَا لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي قَوْلِهِ : أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ; لِأَنَّ شَرْطَ الْقَبُولِ فِي سَبَبِ مِلْكٍ مَقْصُودٍ لَا فِيمَا هُوَ شَرْطٌ لِغَيْرِهِ ; وَلِهَذَا قُلْنَا : إنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10709_10766الْمَغْصُوبَ ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا عِنْدَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلْغَاصِبِ ; لِأَنَّ الْهَالِكَ مِمَّا لَا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ مَقْصُودٌ بِسَبَبِهِ لَا شَرْطًا لِغَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ : إذَا أَخَذَ الْقِيمَةَ بِزَعْمِ الْغَاصِبِ فَالْعَيْنُ لَا تَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ ، وَلَكِنْ يَتَخَيَّرُ عِنْدَ ظُهُورِهِ لِعَدَمِ تَمَامِ الرِّضَى بِهِ ، كَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا .
( فَأَمَّا )
nindex.php?page=treesubj&link=10766_23946الْمُدَبَّرُ فَفِي تَخْرِيجِهِ طَرِيقَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ هُنَاكَ لَا يَقُولُ بِبَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ تَقَرُّرِ حَقِّهِ فِي الْقِيمَةِ بَلْ يُجْعَلُ زَائِلًا عَنْ مِلْكِهِ لِتَحْقِيقِ هَذَا الشَّرْطِ ; وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَظْهَرْ الْمُدَبَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ وَظَهَرَ لَهُ كَسْبٌ فَذَلِكَ الْكَسْبُ يَكُونُ لِلْغَاصِبِ دُونَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ الْمُدَبَّرُ يُعَادُ إلَيْهِ صِيَانَةً لِحَقِّ الْمُدَبَّرِ ، فَإِنَّ حَقَّ الْعِتْقِ ثَبَتَ لَهُ بِالتَّدْبِيرِ عِنْدَنَا .
الثَّانِي : أَنَّ فِي الْمُدَبَّرِ الْقِيمَةَ لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ الْعَيْنِ ; لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطُهُ وَهُوَ انْعِدَامُ الْمِلْكِ فِي الْعَيْنِ مُتَعَذِّرٌ فِي الْمُدَبَّرِ ، فَيُجْعَلُ هَذَا خَلَفًا عَنْ النُّقْصَانِ الَّذِي حَلَّ بِيَدِهِ ، وَلَكِنَّ هَذَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَفِي كُلِّ مَحَلٍّ يُمْكِنُ اتِّحَادُ الشَّرْطِ لَا تَتَحَقَّقُ الضَّرُورَةُ فَيُجْعَلُ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ ، وَإِذَا تَعَذَّرَ اتِّحَادُ الشَّرْطِ يُجْعَلُ خَلَفًا عَنْ النُّقْصَانِ الَّذِي حَلَّ بِيَدِهِ ، وَنَظِيرُهُ فَصْلَانِ :
أَحَدُهُمَا ضَمَانُ الْعِتْقِ ، فَإِنَّهُ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ يُمْكِنُ اتِّحَادُ الشَّرْطِ ، وَهُوَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ ، وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُ
[ ص: 70 ] اتِّحَادَ هَذَا الشَّرْطِ كَالْمُدَبَّرِ ، وَأُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَهُمْ لَا يُجْعَلُ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ ، وَكَذَلِكَ ضَمَانُ الصُّلْحِ ، فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَ الْقِيمَةَ بِالتَّرَاضِي كَانَ الْمَأْخُوذُ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ يَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ ، وَفِي كُلِّ مَحَلٍّ لَا يَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ يُجْعَلُ الْمَأْخُوذُ بِمُقَابَلَةِ الْجِنَايَةِ الَّتِي حَلَّتْ بِيَدِهِ ، وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ الْقِيمَةَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ، وَفِيمَا تَلَا مِنْ الْآيَةِ بَيَانُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24475_10766الْأَكْلَ بِالتِّجَارَةِ عَنْ تَرَاضٍ جَائِزٌ لَا أَنْ يَكُونَ الْجَوَازُ مَقْصُودًا عَلَيْهِ ، ثُمَّ مَعْنَى التِّجَارَةِ عَنْ تَرَاضٍ يَنْدَرِجُ هُنَا مِنْ وَجْهٍ ، فَإِنَّ الْمَالِكَ هُنَا مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى تَظْهَرَ الْعَيْنُ فَيَأْخُذَهَا .
فَحِينَ طَالَبَ بِالْقِيمَةِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ انْعِدَامَ مِلْكِهِ فِي الْعَيْنِ ، فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِذَلِكَ ; لِأَنَّ مَنْ طَلَبَ شَيْئًا لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِشَرْطٍ كَانَ رَاضِيًا بِالشَّرْطِ كَمَا يَكُونُ رَاضِيًا بِمَطْلُوبِهِ .