الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وكل ما اشترى أحد المتفاوضين من التجارة ، وغيرها فهو بينه وبين شريكه ) إلا أني أستحسن في كسوته وكسوة عياله وقوتهم من الطعام والإدام أن يكون له خاصة - دون شريكه - لأن مقتضى المفاوضة المساواة ، وكل واحد منهما قائم مقام صاحبه في التصرف ، وكان شراء أحدهما كشرائهما جميعا ، والقياس في الطعام والكسوة والإدام كذلك ; فإن شراء ذلك من عقود التجارة ، ولكنه استحسنه فقال : هذا مستثنى من قضية المفاوضة ; لأن كل واحد منهما حين شارك صاحبه كان عالما بحاجته إلى ذلك في مدة المفاوضة ، ومعلوم أن كل واحد منهما لم يقصد بالمفاوضة أن تكون نفقته ونفقة عياله على شريكه ، وقد كان يعلم أنه لا يتمكن من تحصيل [ ص: 209 ] حاجته من ذلك إلا بالشراء ، فصار كل واحد منهما مستثنيا هذا المقدار من تصرفه كما هو من مقتضى المفاوضة ، والاستثناء المعلوم بدلالة الحال كالاستثناء بالشرط ، ولأن سبب المفاوضة إنما يوجب المساواة شرعا فيما يتمكن كل واحد منهما من الوقاية ، وذلك فيما سوى الطعام والكسوة والإدام . فإن اشترى أحدهما شيئا من ذلك ; كان له خاصة ، وللبائع أن يطالب بالثمن أيهما شاء ; لأن المشتري باشر سبب الالتزام ، والآخر كفل عنه ما لزمه بالشراء بسبب الشركة . فإذا أداه أحدهما من مال الشركة ; رجع المؤدي على المشتري بقدر حصته من ذلك ، لأن الثمن كان عليه خاصة ، وقد قضي من مال الشركة . وإن كانت الأشياء في يد أحدهما فجحد المفاوضة ; فقد وقعت الفرقة لجحوده ، لأن كل واحد منهما ينفرد بفسخ الشركة بمحضر من صاحبه ، فجحوده يكون فسخا ; لأنه ينفي بالجحود عقد الشركة بينهما فيما مضى . ومن ضرورة ذلك بعينه في الحال ، وهو ضامن لنصف جميع ما في يده إذا قامت البينة على المفاوضة ; لأنه كان أمينا في نصيب صاحبه . فبالجحود يصير ضامنا - كالمودع إذا جحد الوديعة - . وكذلك لو جحد وارثه بعد موته ; لأن نصيب الآخر في يد وارث الميت أمانة ، فبالجحود يصير ضامنا . فإن ماتا وأوصى كل واحد منهما إلى رجل فوصي كل واحد منهما يطالب بما ولى موصيه مبايعته ; لأنه قائم مقام الموصي ، وقد انقطعت الشركة بموتهما ، ولا يطالب بالدين إلا من هو قائم مقام الذي ولي المبايعة . فإذا قبضه فلا ضمان عليه في ذلك ، ولا على الورثة بعد أن يكونوا مقرين بالمفاوضة ، كما لو كان الموصي قبض بنفسه ، وهو مقر بالمفاوضة ، كان أمينا في نصيب صاحبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية