الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وإن شارك أحد المتفاوضين رجلا شركة مفاوضة لم يجز ذلك على شريكه ) في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى ; لأن الثاني مثل الأول ، فلا يكون من توابع الأول مستفادا به . كما أنه ليس لشريك العنان أن يشارك غيره فكذلك ، وعلى قول محمد رحمه الله تعالى يجوز ذلك منه ; لأن المتفاوضين كل واحد منهما قائم مقام صاحبه فيما هو من صنيع التجار ; فيكون كل واحد منهما كفعلهما . إذا عرفنا هذا فنقول : المستبضع وكيل للدافع ; فيعزل بموت الدافع - علم به أو لم يعلم - ; لأن هذا عزل من طريق الحكم . فإذا اشترى المتاع بعد ذلك كان مشتريا لنفسه ، فإذا نقد الثمن بالمال المدفوع إليه فقد قضى بمال الغير دينا عليه ; فيكون ضامنا مثل ذلك المال لصاحب المال ، ونصف هذا المال لشريك العنان فيضمن له ذلك ، والنصف الآخر للمفاوض الحي ولورثة الميت فيضمن لهما ذلك . وإنما قلنا : إنه ينعزل بموت الدافع أما في حقه لا يشكل ، وفي حق الشريكين الآخرين ; لأن الشركة قد انقطعت من الدافع ، وبين كل واحد منهما بموته ، واعتبار أمره في حقهما كان بعقد الشركة ; فلا يبقى بعد انتقاضها . ولو كان الدافع حيا ومات شريك العنان ثم اشترى المستبضع المتاع ; كان المتاع كله للمتفاوضين ، لأن شركة الدافع مع شريك العنان قد انتقضت بموته ، وانقطعت الوكالة التي كانت بينهما ، فلا يثبت له الملك في المتاع بشراء الوكيل ; لأن شراء الوكيل كشراء الموكل بنفسه ، والدافع لو اشترى المتاع بنفسه كان المتاع كله للمتفاوضين ، فكذلك وكيله .

ويرجع ورثة الميت بحصته من المال إن شاءوا على المستبضع ; لأنه دفع ما صار ميراثا لهم إلى البائع بغير رضاهم ، ثم يرجع المستبضع به على أي المتفاوضين شاءوا ; لأن كل واحد منهما ضامن عن صاحبه ما يلزمه بحكم قيام المفاوضة بينهما ، وقد صار الدافع ضامنا لذلك ; لأن أداء وكيله بأمره كأدائه بنفسه ، فإن لم يمت هذا ولكن المتفاوض الآخر مات ، ثم اشترى المستبضع المتاع ; فنصف المتاع لشريك العنان لقيام الشركة بين الدافع وبين شريك العنان ، ولأن شراء وكيله له كشرائه بنفسه ، ونصف المتاع للآمر لا شيء له منه لورثة الميت ; لأن المفاوضة قد انتقضت بين الدافع وبين الميت . ولو اشترى بنفسه في هذه الحالة لم يكن شيء من المشترى لورثة الميت ، فكذلك إذا اشترى وكيله . ولورثة الميت الخيار إن شاءوا ضمنوا نصيبهم من المال المفاوض الحي ; لأن أداء وكيله كأدائه بنفسه ، وإن شاءوا ضمنوه المستبضع ; لأنه دفع مالهم إلى البائع [ ص: 184 ] بغير رضاهم . ثم يرجع المستبضع به على الآمر ; لأنه عامل له فيما أدى بأمره ، فيرجع عليه بما يلحق من العهدة ولا يرجع بها على شريكه الآخر ; لأن الشركة بينهما عنان ; فلا يكون كل واحد منهما مطالبا بما يجب على الآخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية