الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وإذا اشترى أحد المتفاوضين جارية لخاصة نفسه ليطأها : فإن كان اشتراها بغير أمر شريكه ; فهي بينهما ) وليس له أن يطأها ; لأن هذا الشراء ما صار مستثنى من مقتضى الشركة ، وأنه ما كان يعلم وقوع الحاجة إليه إلا عند الشركة ; فيقع على مقتضى الشركة ، وليس لأحد الشريكين وطء الجارية المشتركة - وإن اشتراها بإذن شريكه - وللبائع أن يأخذ بالثمن أيهما شاء ، ويحتسبان به فيما بينهما من حصة الذي اشتراها بمنزلة ما يشتريه من الطعام والكسوة ، لنفسه وعياله .

( وذكر ) في الجامع الصغير أن الجارية للمشتري بغير شيء في قول أبي حنيفة رحمه الله وله أن يطأها ، وأيهما نقد الثمن لم يرجع على صاحبه بشيء منه ، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله إذا أديا الثمن من مال الشركة ; فللشريك أن يرجع على المشتري بحصته من الثمن . فتبين بما ذكر هناك أن الجواب المذكور في كتاب الشركة [ ص: 210 ] قولهما . وجه قولهما أنه اختص بملكها بالشراء فيلزمه ثمنها ; لأن الثمن بمقابلة الملك ، فإذا أداه من مال الشركة رجع شريكه عليه بحصته من ذلك - كما في الطعام والكسوة - ; وهذا لأن اعتبار إذن الشريك ليصير به هذا العقد مستثنى من مقتضى الشركة ، فإذا وجد التحق بالمستثنى بدون إذنه - وهو الطعام والكسوة - وأبو حنيفة رحمه الله يقول : صار مشتريا الجارية على الشركة ، وقد نقد الثمن من مال الشركة ; فلا يرجع عليه شريكه بشيء منه .

كما لو اشتراها بغير أمر شريكه ; وهذا لأنهما لا يملكان تغيير مقتضى الشركة مع بقائها . ألا ترى أنهما لو شرطا التفاوت بينهما في ملك المشتري لم يعتبر ذلك مع عقد الشركة ، ولكن تأثير إذن شريكه في تمليك نصيبه من المشترى بعد الشركة ، فيكون واهبا لنصيبه من شريكه . ولو أنهما اشتريا جارية ثم وهب أحدهما نصيبه من صاحبه ; كانت الجارية له خاصة يطؤها ، والثمن عليهما ، فهذا مثله . يقرره : أن إذن الشريك عليهما معتبر فيما لا يثبت بدون إذنه ، وشراء أحدهما صحيح بدون إذن شريكه ، وكذلك الملك في المشترى يكون لهما ، والثمن عليهما بدون إذن الشريك ; فعرفنا أن اعتبار إذنه في القرار المشترى بملك الجارية ، ولذلك طريقان : إما بنفس الشراء ، وذلك غير ممكن مع قيام الشركة بينهما ، وإما بهبة أحدهما نصيبه من صاحبه ، وذلك ممكن ، فيجب تحصيل مقصودهما بالطريق الممكن ، ويجعل هذا الطريق المتعين لتحصيل مقصودهما كتصريحهما به - بخلاف الطعام والكسوة - لأن ذلك مستثنى من مقتضى الشركة ، فكان الملك في المشترى للمشتري خاصة بعقد الشراء ; فلهذا كان الثمن عليه خاصة . قال : ( فإن كان اشتراها بأمر صاحبه فوطئها ، ثم استحقت للمستحق أن يأخذ بالعقد أيهما شاء ) لأنه دين وجب على أحدهما بسبب التجارة - وهو الشراء - فإنه لولا الشراء لكان الواجب عليه الحد ، بخلاف ما إذا تزوج امرأة فوطئها ثم استحقت ; لأن وجوب العقر عليه هناك باعتبار النكاح ، والنكاح ليس من التجارة في شيء . والدليل على الفرق أن العبد المأذون يؤاخذ بالعقر بسبب الشراء في الحال ، ولا يؤاخذ بالعقر بسبب النكاح حتى يعتق .

التالي السابق


الخدمات العلمية