الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وتأديب من أساء عليه إلا في مثل اتق الله في أمري فليرفق به )

                                                                                                                            ش : قال ابن الحاجب : ويجب عليه أن يؤدب أحد الخصمين إذا أساء على الآخر وينبغي ذلك أيضا إذا أساء على الحاكم ابن عبد السلام ظاهر مغايرة المؤلف اللفظين في هذه المسألة والتي فوقها أن إساءة أحد الخصمين للآخر في مجلس القاضي أشد من إساءته على القاضي .

                                                                                                                            ، وظاهر كلام مالك أن هذه المسألة مثل التي قبلها في الوجوب ، قال عنه ابن القاسم : وأما إن قال له : ظلمتني فذلك يختلف ، ووجه ذلك إن أراد أذى القاضي وكان القاضي من أهل الفضل فليعاقبه وقد أشار مطرف وابن الماجشون إلى الفرق بين المسألتين كما قال المؤلف وذلك أنهما ، قالا : إذا شتم أحد الخصمين صاحبه بقوله يا فاجر يا ظالم فليزجره وليضربه على مثل هذا ما لم يكن قائله ذا مروءة فليتجاف عن ضربه وقال : إن لمز أحد الخصمين القاضي بما يكره أدبه ، والأدب في مثل هذا أمثل من العفو ويمكن أن يقال : إنما جعل الأدب في مثل هذا أمثل من العفو ; لأن الخصم لم يصرح بإيذاء القاضي وشتمه وإنما لمزه بذلك فلذلك سوغ له حكم العفو ورجح عدمه وصرح لخصمه بالشتم فألزمه العقوبة ولم يسوغ العفو فيها وهذا الذي قلناه في لفظة ينبغي هو مصطلح الفقهاء وقد أنكر بعض الناس عليهم ، وقال : إن قول القائل ينبغي لك أن تفعل مثل قوله يجب عليك أن تفعل ، انتهى .

                                                                                                                            ففي كلامه ميل إلى أن تأديبه يجب وفي كلام المصنف في التوضيح ميل إلى عدم الوجوب فمن راعى أن في ذلك انتصارا للشرع ، قال بالوجوب ومن رأى أنه كالمنتقم لنفسه ، قال بعدمه فتأمله ، والله أعلم . وقال ابن عرفة : وسمع ابن القاسم أرأيت من يقول للقاضي ظلمتني ، قال مالك : يختلف ولم يجد فيه تفسيرا إلا أن وجه ما قاله إن أراد أذاه والقاضي من أهل الفضل عاقبه وما ترك ذلك حتى خاصم أهل الشرف في العقوبة في الإلداد ابن رشد للقاضي الفاضل العدل أن يحكم لنفسه بالعقوبة على من تناوله بالقول وآذاه بأن ينسب إليه الظلم والجور مواجهة بحضرة أهل مجلسه بخلاف ما شهد به عليه أنه آذاه به وهو غائب عنه ; لأن مواجهته بذلك من قبيل الإقرار وله الحكم بالإقرار على من انتهك ماله وإذا كان له الحكم بالإقرار على من انتهك ماله كالحكم به لغيره كان أحرى أن يحكم بالإقرار في عرضه كما يحكم به في عرض غيره لما في ذلك من الحق لله ; لأن الاجتراء على الحاكم بمثل هذا توهين لهم فالمعاقبة فيه أولى من التجافي ، انتهى .

                                                                                                                            وهذه المسألة في رسم تأخير صلاة العشاء من كتاب الأقضية ، وقال فيه بعد قوله وله الحكم بالإقرار على من انتهك ماله فيعاقبه به أي : بالإقرار ويتمول المال بإقراره ولا يحكم في شيء من ذلك بالبينة والأصل فيه قطع الصديق رضي الله عنه يد الأقطع الذي سرق عقد زوجته ، انتهى . فراجعه فإنه مفيد ، وقوله في السماع : وما ترك ذلك ، إلى آخره هو كذلك في البيان ولم أفهم معناه ، والله أعلم . وسيأتي لفظه عند قوله ولا يحكم لمن يشهد له وسيأتي أيضا شيء يتعلق بهذا المعنى عند قوله : ومن أساء على خصمه ، وقوله : إلا في مثل اتق الله في أمري ، مثل اذكر وقوفك للحساب والذي عملته معي مكتوب عليك ونحوه مما هو وعظ وفيه إشارة فيعرض القاضي عن الإشارة ويرفق به وقوله فليرفق به الرفق به مثل أن يقول له رزقني الله تقواه أو يقول ما أمرت إلا بخير وعلينا وعليك أن نتقي الله أو ذكرني وإياك الوقوف للحساب والأعمال كلها مكتوبة ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية