الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( لا بعدهما )

                                                                                                                            ش : يعني أنه ليس للوصي أن يعزل نفسه بعد موت الموصي وقبوله هو للوصية وظاهره سواء أقام أحدا عوضه أم لا ، وهذا هو الظاهر وبه أفتى جماعة ومعنى ذلك إذا تبرأ عن الإيصاء جملة بحيث إنه لم يبق له نظر أصلا ، ويجوز له أن يوكل على الأيتام من يتولى أمورهم بأمره ، قال الجزيري في وثائقه : وللوصي أن يوصي بما إلى نظره إذا لم يكن معه شريك في الإيصاء وليس له أن يفوض الإيصاء إلى غيره في حياته وله أن يوكل من ينظر بأمره انتهى . وقال في المسألة الثالثة من نوازل عيسى بن دينار من كتاب البضائع والوكالات : وسئل عيسى عن الرجل يوكل وكيلا على خصومه وقيام لبنيه أو تقاضي ديون أو على وجه من الوجوه كلها فيريد الوكيل أن يوكل غيره على ما وكل عليه من ذلك في حياة الموكل أو عند موته أيجوز هذا ؟ قال : لا يوكل وكيلا على ما وكل عليه أحدا غيره ، وإنما يجوز ذلك للوصي أن يوكل في حياته أو عند موته فتكلم ابن رشد على مسألة توكيل الوكيل ثم قال : وقوله وإنما يجوز ذلك للوصي أن يوكل في حياته وعند موته هو نص قول مالك وجميع أصحابه لا اختلاف بينهم فيه ، وإنما اختلفوا في الوصيين أو الأوصياء هل لأحدهم أن يوصي بما إليه لشريكه ولغيره أم ليس له ذلك أو له أن يوصي به لشريكه لا إلى غيره ؟ ثلاثة أقوال : قال : والأول هو أصح الأقوال وأولاها بالصواب انتهى .

                                                                                                                            فقوله : " إنما يجوز للوصي إلى آخره " معناه يجوز له أن يوكل على ما فوض إليه في حياته وعند موته ، وقالابن رشد في شرح المسألة العاشرة من رسم الوصايا من سماع أشهب من كتاب الوصايا : للوصي أن يوصي بما أوصي به إليه في حياته وبعد وفاته لا خلاف أحفظه في ذلك انتهى . وفيابن سلمون ناقلا عن مسائل ابن الحاج قال إذا أراد الوصي أن يتبرأ من الإيصاء إلى رجل آخر بعد أن ألزمه فليس له ذلك إلا لعذر بين وله فعل ذلك عند حضور موته ; لأنه من أبين العذر ، وحكى الباجي في وثائقه أن له أن يوكل غيره في حياته وبعد مماته ولا يجوز لوكيل القاضي على النظر لليتيم أن يوكل بما جعل إليه أحدا غيره حيي أو مات ولا أن يوصي به إلى أحد انتهى ، ونقل البرزلي كلام الباجي ، ونصه : " ولا يجوز لمقدم القاضي توكيل أحد بما جعل إليه ، والوصية به لا في حياته ولا عند موته انتهى .

                                                                                                                            قال في مختصر المتيطية وللوصي أن يوصي عند الموت بما جعل إليه إلى من شاء إن كان منفردا بالنظر ، ويكون وصي الوصي كالوصي ، وإن أراد الوصي في حياته أن يجعل ما بيده إلى غيره لم يكن له ذلك ، وإنما له أن يوكل من ينظر بأمره ، قاله ابن العطار وغيره ، وقال ابن زرب : له ذلك ، قيل : فإن أراد أن يعود في نظره قال ليس له ذلك ; لأنه قد تخلى عنه ا هـ . وفي مسائل الوصايا من البرزلي وسأل ابن دحون ابن زرب عن الوصي يتخلى عن النظر إلى رجل آخر ؟ قال : ذلك جائز ويتنزل منزلته قيل له : فلو أراد العود في نظره قال ليس له ذلك ، وقد تخلى منه إلى الذي وكل انتهى . وفي المتيطية : وإذا قبلها في مرض الموت الذي توفي منه أو بعد موته وتولى النظر ثم أراد أن يتخلى فليس ذلك له أن يخليه شريكه في النظر إن كان معه شريك وكان في الوصية أن من عاقه عائق فالباقي منفرد ، فإن لم يكن في الوصية هذا الشرط فإن القاضي يخليه ويقدم غيره إن كان منفردا وكان معه غيره ولم يكن في الوصية هذا الشرط إذا ظهر له عذر ووجد من يقوم مقامه ، وإن لم ينعقد عليه التزام في مرض الموصي ، ولا نظر بعد موته وأبى النظر فلا يجبر على النظر ، قال في أحكام ابن بطال ، وإن أنكر القبول حلف على ذلك وبرئ [ ص: 404 ] انتهى .

                                                                                                                            وظاهر كلام المصنف أيضا أنه ليس له أن يعزل نفسه ولا للقاضي أن يخليه بعد الموت والقبول سواء في حياة الموصي أو بعد موته ، وهو ظاهر كلام ابن الحاجب قال : وليس له رجوع بعد الموت والقبول على الأصح قال في التوضيح ظاهره سواء قبل في حياة الموصي أو بعد موته ، ونص في المدونة على الأول وأشهب على الثاني قال : وسواء قبل لفظا أو جاء منه ما يدل على ذلك من البيع والشراء لهم ما يصلحهم والاقتضاء والقضاء أو غير ذلك ، قال ابن عبد السلام ، وقال بعضهم : لا فرق بين قبوله بعد الموت وقبله ; لأن له الرجوع وأخذ من تعليل أشهب رجوعه في الحياة فإنه لم يغيره فألزمه اللخمي أن يكون له الرجوع إن قبل بعد الموت لكونه لم يغيره انتهى . وذكر البرزلي عن ابن عات عن أبي ورد قال : إذا كان قبوله في حياة العاهد فلا يخليه القاضي إلا بعد ثبوت عذر يوجب ذلك ، وإن كان قبوله بعد موته فللقاضي أن يخليه بغير عذر ، وللفرق بينهما شرح يطول وهذا حقيقة الفقه في هذا الفصل .

                                                                                                                            ( قلت ) هو ظاهر قولها : إذا قبل الوصي الوصية في حياة الموصي فلا رجوع له بعد وفاته ، وعليه سئل إذا خلى القاضي الوصي لعذر ثبت له وكان معه في النظر شريك هل يعذر إلى شريكه فيما ثبت له من العذر ؟ فقال : إذا كان قبوله في حياة العاهد فلا بد من الإعذار إلى شريكه ثم يعمل بحسب ذلك ، وإن كان قبوله بعد موته حيث يكون للقاضي أن يعقبه دون عذر كما تقدم فإنه لا متكلم لشريكه في ذلك ، فكيف يعذر إليه وله أيضا إذا كان في الوصية من عاقه منها عائق فالباقي منفرد فليس له أن يخليه من غير عذر ولو كان له أن يخليه من غير عذر لكان قوله : " إلا أن يخليه شريكه " معترضا أيضا ; لأن شريكه لا يخليه إنما يخليه الموصي بشرطه في وصية من عاقه عائق فالباقي منفرد انتهى .

                                                                                                                            ثم ذكر عن ابن ورد أن العذر لا بد أن يثبت أنه مانع له من القيام ألبتة وأما إن لم يكن إلا أنه يشق عليه فلا يخل بمثل ذلك ، ويكون العذر أيضا طارئا بعد القبول ، وأما إن كان حال القبول فلا إلا أن يثبت أنه لا يقدر على القيام فيما أدخل نفسه فيه انتهى .

                                                                                                                            ومن هذا المعنى ما وقع في المسألة الثانية من سماع أشهب من كتاب الوصايا وهي تتضمن فرعا آخر وهو أن للوصي أن يرسل اليتيم إلى غير البلد الذي هو فيه إذا كان له فيه مصلحة ، ونصه : " قال وسئل يعني مالكا عمن توفي بالمدينة وأوصى إلى رجل أن امرأته أولى بولدها ما لم تنكح فأرادت امرأته الخروج إلى العراق بولدها منه وهناك أهلها فقال : ليس لها ذلك ، فقيل : إن لولده ثم ديون قال : ما أرى ذلك لها ، قيل : إذا يهلك ديوانهم ، وهم صغار قال : هذا إن كان هكذا ، فلينظر في ذلك لليتامى ، فإن رأى ولي اليتيم أن لهم المقام أقاموا ، وإن رأى أن السير أرفق بهم ساروا ، قال محمد بن رشد هذا كما قال إنه ليس للأم أن ترحل بولدها الذي في حضانتها عن بلد الموصى عليهم ، وإن كان الأب أوصى أنها أولى بولدها ما لم تنكح ; لأن ذلك من حقها ، وإن لم يوص لها به مع أنها لا تغيب به إلى بلد آخر عن الوصي إلا أن يرى ذلك الوصي أو السلطان نظرا للأيتام لئلا يزول بمغيبهم اسمهم عن الديوان الذي كان يرتزق عليه أبوهم فتدركهم الضيعة انتهى .

                                                                                                                            ويؤخذ من هذه المسألة : جواز تسفير الوصي من في حجره لمصلحة وقد قال في كتاب الوصايا الثاني : وإن أوصى أن يحج عنه عبد أو صبي بمال فذلك نافذ ويدفع ذلك إليه ليحج به إذا أذن السيد والوالد ، وإن لم يكن للصبي أب فأذن له الولي في ذلك ، فإن كان على الصبي فيه مشقة وضرر وخيف عليه في ذلك ضيعة فلا يجوز إذنه فيه ، وإن كان الصبي قويا على الذهاب وكان ذلك نظرا له جاز إذنه ; لأن الوصي لو أذن له أن يتجر وأمره بذلك جاز ولو خرج في تجارة من موضع إلى موضع بإذن الولي لم يكن به بأس فكذلك يجوز إذنه في الحج على ما وصفنا ، وقال غيره : لا يجوز للوصي أن يأذن له في هذا قال ابن القاسم ، فإن لم يأذن له وليه وقف المال [ ص: 405 ] إلى بلوغه ، فإن حج به وإلا رجع ميراثا انتهى .

                                                                                                                            وظاهر كلامهم ولو كان في الطريق بحر وقد تقدم في باب الحضانة أن الأصح أن للولي أن يسافر بمن في حجره إذا كانت الطريق مأمونة ولو كان فيها بحر وتقدم هنا أن التجر بمال اليتيم في البحر والبر جائز مع الأمن ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) تقدم في باب الحج عن ابن فرحون أنه نقل أن للوصي والولي غير المحرمين أن يسافرا بالصبية إذا لم يكن لها أهل تخلف عندهم ، وكانوا مأمونين ويختلف فيه إن كان للصبية أهل وهو مأمون وله أهل انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية