ولما كان الخافقان خزائن الكائنات؛ وكان لا يتصرف في الخزائن إلا ذو المفاتيح؛ قال - دالا على وكالته -: له ؛ أي: وحده؛ مقاليد ؛ واحدها "مقلاد"؛ مثل "مفتاح"؛ و"مقليد"؛ مثل "قنديل"؛ وهي المفاتيح؛ والأمور الجامعة القوية؛ وهي استعارة لشدة التمكن من السماوات ؛ أي: جميع أعدادها؛ والأرض ؛ أي: جنسها؛ خزائنهما وأمورهما؛ ومفاتيحهما الجامعة لكل ما فيهما؛ فلا يمكن أن يكون فيهما شيء؛ ولا أن يتصرف في شيء منهما؛ ولا فيهما؛ أحد إلا بإذنه؛ فلا بدع في تنجيته الذين اتقوا.
ولما كان التقدير: "فالذين آمنوا بالله وتقبلوا آياته؛ أولئك هم الفائزون"؛ عطف عليه قوله - الذي اقتضاه سياق التهديد -: والذين كفروا ؛ أي: لبسوا ما اتضح لهم من الدلالات؛ وجحدوا أن تكون الأمور كلها بيده؛ بآيات الله ؛ أي: الذي لا ظاهر غيرها؛ فإنه [ ص: 545 ] ليس في الوجود إلا ذاته - سبحانه - وهي غيب لا يمكن المخلوق دركها؛ وأفعاله؛ وهي أظهر الأشياء؛ وصفاته؛ وهي غيب من جهة شهادة من جهة أخرى؛ أولئك ؛ البعداء البغضاء؛ هم ؛ خاصة؛ الخاسرون ؛ فإنهم خسروا نفوسهم؛ وكل شيء يتصل بها على وجه النفع؛ لأن كفرهم أقبح الكفر؛ من حيث إنه متعلق بأظهر الأشياء.