الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر - سبحانه - الظالمين بالكذب؛ ذكر أضدادهم الذين يخاصمونهم عند ربهم؛ وهم المحسنون؛ بالصدق؛ فقال: والذي ؛ أي: الفريق الذي جاء بالصدق ؛ أي: الخبر المطابق للواقع؛ فصدق على الله؛ وتعريفه يدل على كماله؛ فيشير إلى أن الإتيان به ديدنه؛ لا يتعمد كذبا؛ وصدق به ؛ أي: بكل صدق سمعه؛ وقام عليه الدليل؛ وليس هو بجموده عدو ما لم يعلم؛ فهو يكذب بكل ما لم يسمع؛ فمن أعدل منه؟! لكونه صدق على الله؛ وصدق بالصدق إذ جاءه؛ واستمر عليه؛ ولعله أفرد الضمير إشارة إلى قلة الموصوف بهذا الوصف من الصدق؛ وهذا الفريق هو الرسل وأتباعهم؛ ولذلك حصر التقوى فيهم؛ فقال - مشيرا بالجمع إلى عظمتهم؛ وإن كانوا قليلا -: أولئك ؛ أي: العالو الرتبة؛ هم ؛ أي: خاصة؛ المتقون ؛ الذين جانبوا الظلم؛ فليس لجهنم عليهم سبيل؛ ولا لهم فيها منزل؛ ولا مقيل؛ بل الجنة منزلهم؛ أليس في الجنة منزل للمتقين؟ فالآية من الاحتباك: ذكر أولا المثوى في [ ص: 506 ] جهنم؛ دليلا على حذف ضده ثانيا؛ والاتقاء ثانيا؛ دليلا على حذف ضده أولا؛ وسره أنه ذكر أنكأ ما للمجرم من الكفر؛ وسوء الجزاء؛ وأسر ما للمسلم؛ من قصر التقوى عليه؛ وذكر أحب جزائه إليه؛ والإشارة إلى عراقته في الإحسان؛ وفي الآيات احتباك آخر؛ وهو أنه ذكر الكذب والتكذيب أولا؛ دليلا على الصدق والتصديق ثانيا؛ والاتقاء وجزاءه؛ وما يتبعه ثانيا؛ دليلا على ضده أولا؛ وسره أنه ذكر في شق المسيء أنكأ ما يكون من الكذب؛ والتكذيب؛ في أقبح مواضعه؛ ولا سيما عند العرب؛ وأسر ما يكون في شق المحسن؛ من استقامة الطبع؛ وحسن الجزاء.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية