[ ص: 73 ] باب 
ذكر حكم النون الساكنة وما بعدها ، في حال البيان والإدغام والإخفاء  
اعلم أن النون الساكنة إذا أتى بعدها حروف الحلق الستة فإنه تجعل عليها علامة السكون جرة صغيرة ، أو دارة لطيفة ، كما مضى في نقط الساكن من الحروف . وتجعل على حرف الحلق بعدها نقطة فقط . فيدل بذلك على أن النون مبينة عنده ، وأن مخرجها معه من طرف اللسان . وذلك في نحو قوله : من ءامن  ، و من هاد  ، و من حاد الله  ، و من عمل  ، و من خير  ، و من غل  ، وشبهه . 
فإن أتى بعدها ما تدغم فيه إدغاما صحيحا ، وتدخل فيه إدخالا شديدا ، وهو الراء واللام والنون والميم ، وكذلك الياء والواو ، على مذهب من أذهب غنة النون عندهما ، ولم يبق لها أثرا مع الإدغام ، عريت النون من علامة  [ ص: 74 ] السكون ، وجعل على الحروف الستة علامة التشديد . فيدل بذلك على الإدغام التام الذي يذهب لفظ النون فيه . وذلك نحو قوله : من ربهم  ، و فإن لم تفعلوا  ، و من نور  ، و من ماء  ، و من يقول  ، و من وال  ، وشبهه . 
وإن نقط ذلك على مذهب من بين غنة النون عند الراء واللام والياء والواو مع الإدغام ، ففي النون وهذه الحروف وجهان ؛ أحدهما : أن تعرى النون من علامة السكون ، ويعرى الحرف بعدها من علامة التشديد ، فتجعل عليه نقطة لا غير ، فيدل بذلك على أن النون لم تنقلب إلى لفظ ذلك الحرف قلبا صحيحا ، ولا أدغمت فيه إدغاما تاما . وهذا كان مذهب شيخنا أبي الحسن علي بن محمد بن بشر   - نضر الله وجهه - في نقط ذلك ، من حيث كان ضربا من الإخفاء الذي يعدم القلب والتشديد فيه رأسا ، ولم يكن إدغاما صحيحا . والوجه الثاني : أن تجعل على النون علامة السكون ، لظهور غنتها ، وتجعل على الحرف بعدها علامة التشديد ، لاندغام صوت النون الذي لها من الفم فيه ، وحصول شيء من التشديد فيه بذلك . فيدل بذلك على الإدغام الذي يبقى فيه للنون صوتها الذي لها من الخيشوم ، وهو الغنة ، ولا يقلب الحرف فيه قلبا تاما . وهذا المذهب في الاستعمال أولى ، وفي القياس أصح ، لما ذكرناه . 
 [ ص: 75 ] فإن أتى بعد النون باقي حروف المعجم ، مما حكمها أن تخفى عنده ، عريت النون من علامة السكون ، وعري ما بعدها من علامة التشديد ، فجعل عليه نقطة لا غير . فدل بذلك على الإخفاء الذي هو حال بين البيان والإدغام . وذلك من حيث كان تعرية النون من علامة السكون دليلا على الإدغام ، وكان تعرية ما بعدها من علامة التشديد دليلا على البيان . 
وكذا حكم الخاء والغين معها ، في مذهب من أخفاها عندهما ، ولم يبينها . ومخرج النون في حال الإخفاء من الخيشوم ، ولا عمل للسان فيها . وذلك في نحو قوله : ولئن قلت  ، و وإن كنتم  ، و من جهنم  ، و من شيء  ، و أن صدوكم  ، و فإن زللتم  ، و " لئن سألتهم " ، و قل إن ضللت  ، و " إن فاتكم " ، وشبهه . 
وكذا حكم النون إذا لقيت الباء ، وقلبت ميما في اللفظ ؛ لمؤاخاة الميم النون في الغنة ، وقربها من الباء في المخرج ، نحو قوله : من بعد  ، و أن بورك  ، و فانبجست  ، وشبهه ، أن تعرى النون من علامة السكون ،  [ ص: 76 ] وتعرى الباء بعدها من علامة التشديد . وإن جعل على النون ميم صغرى بالحمرة ؛ ليدل بذلك على انقلابها إلى لفظها ؛ كان حسنا . غير أن الأول هو الذي أختار ، وبه أقول ، وبالله التوفيق . 
				
						
						
