[ ص: 168 ] باب 
ذكر نقط ما اجتمع فيه واوان  ، فحذفت إحداهما تخفيفا 
اعلم أن المصاحف اجتمعت على حذف إحدى الواوين في أربع كلم ، وهن قوله في ( سبحان ) : " ليسئوا وجوهكم " ، وقوله في ( الأحزاب ) : " وتئوي إليك " ، وقوله في ( المعارج ) : " التي تئويه " ، وقوله في ( كورت ) : " وإذا الموءدة " . 
* * * 
فأما ليسوا  فإن كان مرسوما على قراءة من قرأه بالياء على التوحيد ، أو بالنون على الجمع فذلك حقيقة رسمه . إلا أن الألف رسمت في آخره على القراءتين كما رسمت في قوله : " أن تبوأ " صورة للهمزة . وإن كان مرسوما على قراءة من قرأ بالياء على الجمع فقد حذفت من رسمه إحدى  [ ص: 169 ] الواوين اللتين الهمزة المضمومة بينهما ، من حيث كانت الهمزة غير فاصلة ؛ لخفائها ، وعدم صورتها . 
ويجوز أن تكون المحذوفة منهما الأولى التي هي عين من الفعل ، إذ هي السابقة . ويجوز أن تكون الثانية التي هي علامة الجمع ، من حيث كانت حرفا زائدا دخيلا ، وكانت الأولى من سنخ الحرف . والمذهب الأول أوجه ؛ لأن معنى الجميع يختل بسقوط علامته ، وعدم دليله . 
فإذا نقط ذلك على الأول المختار جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها نقطة بالحمراء أمامها ، قبل الواو السوداء . ورسمت واو بالحمراء قبل الهمزة وبعد السين . فتحصل الهمزة بين الواوين الحمراء والسوداء . وإن شاء الناقط لم يرسم تلك الواو ، وجعل مطة في موضعها بين السين والهمزة . وصورة ذلك كما ترى : " ليسئوا " . 
وإذا نقط على الوجه الثاني جعلت الهمزة وحركتها بعد الواو السوداء . ورسمت واو بالحمراء بعدها ، لا بد من ذلك ، ليتأدى بها المعنى الذي جاءت له . فتحصل الهمزة بين الواوين السوداء والحمراء . وصورة ذلك كما ترى : " ليسوءا " . 
وإذا نقط ذلك على قراءة من قرأه بالياء على التوحيد ، والنون على الجمع جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها نقطة بالحمراء ، في الألف المرسومة . لأنها صورة لها كما ذكرناه . وصورة ذلك كما ترى : " ليسوأ " . 
* * * 
وأما " وتئوي إليك " ، و " التي تئويه " فإنهما رسما بواو واحدة . وهي الثانية المكسورة التي هي عين الفعل ، لا الأولى التي هي همزة ساكنة ، وفاء من الفعل . 
 [ ص: 170 ] وذلك لخمسة معان : أحدها أن الأولى هي السابقة منهما . 
والثاني أنها ساكنة ، والثانية متحركة . والثالث أنها قد تستغني عن الصورة ؛ لأنها حرف قائم بنفسه ، من حيث اشتركت مع الهاء والألف في المخرج ، ولحقتها الحركات والسكون . والرابع أنها قد تبدل واوا ساكنة ؛ لأجل ضمة التاء قبلها ، ثم تدغم في الواو التي بعدها للتماثل . فيمتنع تصويرها لذلك ، كما يمتنع تصوير الأول من المثلين في كلمة واحدة ، إذا أدغم في الثاني ، نحو قوله : عدوي  ، و وليي  ، و عدوكم  ، و وليكم  ، وشبهه . والخامس ثبوت الياء الساكنة في اللفظ والرسم التي لا تليها إلا كسرة لا غير . وهي كسرة الواو التي هي عين . 
فدل ذلك كله على أن الثابتة في الرسم هي الواو الثانية ، وأن الساقطة هي الواو الأولى التي هي همزة ساكنة في حال التحقيق . 
فإذا نقط ذلك جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وعلامة السكون عليها ، بين التاء والواو السوداء في بياض السطر . وجعلت تحت الواو السوداء نقطة بالحمراء علامة لكسرها . وإن شاء الناقط رسم بعد التاء وقبل الواو السوداء بالحمراء واوا ، وجعل الهمزة فيها ، وألا يرسمها أحسن . وصورة ذلك كما ترى : " تئوي " ، و " تئويه " . 
* * * 
وأما " الموءدة " فرسمت في جميع المصاحف بواو واحدة . وتحتمل أن تكون المرسومة الواو الأولى التي هي فاء من الفعل ، والمحذوفة الواو الثانية  [ ص: 171 ] التي جاءت لبناء "مفعولة". وتحتمل أن تكون المرسومة الثانية ، والمحذوفة الأولى ، من حيث كانت السابقة منهما . 
وأن تكون المرسومة الأولى التي هي فاء أولى من ثلاثة أوجه : أحدها أن الأولى من نفس الكلمة ، والثانية زائدة فيها . والأصلي أولى بالإثبات من الزائد . والثاني أن ضمة الهمزة الواقعة بين الواوين تدل على الواو الثانية ، إذا حذفت من الرسم . ولا شيء في الكلمة يدل على الأولى إذا حذفت . فلزم رسمها دون الثانية إذا وجب حذف صورة إحداهما . والثالث أن من العرب من إذا سهل الهمزة في ذلك أسقطها والواو التي بعدها ؛ طلبا للتخفيف ، فيقول : المودة  على لفظ "الجوزة" ، و "الموزة" . وهي قراءة  الأعمش  في ذلك . قرأت على عبد العزيز بن محمد  ، عن أبي طاهر بن أبي هاشم  قال : نا قاسم المطرز  والخثعمي  قالا : حدثنا أبو كريب  ، قال : نا  أبو بكر  قال : قرأ  الأعمش   : "وإذا المودة" بغير همز مخففا  . 
فإذا نقطت هذه الكلمة على المذهب الأول المختار جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها أمامها نقطة بالحمراء ، بعد الواو السوداء . ورسمت واو بالحمراء بعد الهمزة . فتحصل الهمزة بذلك بين واوين سوداء وحمراء . وإن شاء الناقط لم يرسم تلك الواو من حيث كانت ضمة الهمزة دالة عليها . وصورة نقط ذلك كما ترى : " الموءدة " . 
وإذا نقطت على المذهب الثاني جعلت الهمزة وحركتها قبل الواو السوداء . ورسمت واو بالحمراء بعد الميم ، وقبل الهمزة . فتحصل الهمزة أيضا بين واوين ،  [ ص: 172 ] واو حمراء وواو سوداء . ولا بد من تصوير الواو في هذا الوجه ضرورة ؛ لأن اللفظ والمعنى يختلان بحذفها . وصورة نقط ذلك كما ترى : "المئودة". 
فصل 
وكل همزة مضمومة جاءت قبل واو مرسومة ، سواء كانت للجمع أو للبناء ، وسواء تحرك ما قبل الهمزة أو سكن ، فإن المصاحف اتفق رسمها على حذف صورة الهمزة ، لما تقدم من كراهة توالي صورتين متفقتين في الرسم . 
وجائز أن تحذف واو الجمع وواو البناء ، وأن تثبت صورة الهمزة . والأول أقيس ، لما قدمناه من استغناء الهمزة عن الصورة ، ومن اختلال اللفظ والمعنى جميعا بحذف ما يدل على الجمع أو على البناء . 
فالتي للجمع نحو قوله : فادرءوا  ، و " يدرءون " ، و " لا يطئون " ، و تطئوهم  ، و " مستهزءون " ، و متكئون  ، و فمالئون  ، و ليواطئوا  ، و ليطفئوا  ، و أنبئوني  ، و " يستنبئونك " ، وشبهه . 
والتي للبناء نحو قوله : يئوسا  ، و مذءوما  ، و مسؤولا  ، وشبهه . 
 [ ص: 173 ] فإذا نقط ذلك جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها أمامها نقطة بالحمراء ، قبل الواو السوداء في بياض السطر ، على ما تراه في الحروف المتقدمة . 
* * * 
وكل واو مضمومة جاء بعدها واو ساكنة ، للجمع كانت أو للبناء ، فالقول في حذف إحداهما ، وإثبات الثانية كالقول في جميع ما تقدم . 
فالتي للجمع نحو قوله " الغاون " ، و " لا تلون " ، و " لا يستون " ، و " فأوا إلى الكهف " ، وشبهه . 
والتي للبناء نحو قوله : " ما وري " ، و داود  ، وشبهه . 
والأوجه هاهنا أن تكون المرسومة الواو الأولى لتحركها ، والمحذوفة الواو الثانية لسكونها ، من حيث كان الساكن أولى بالحذف من المتحرك في ذلك ، لتولده منه ، ولدلالة حركة المتحرك عليه . وذلك بخلاف ما تقدم في نظائر ذلك من كون المرسومة من إحدى الواوين الثانية دون الأولى ، هو الأوجه . وذلك لسكونهما معا هناك ، فلما اجتمعتا في السكون كان الأولى بالإثبات منهما ما جاء لمعنى لا بد من تأديته . وهي الثانية لدلالتها على الجمع . 
والناقط مخير في رسم واو الجمع وواو البناء في هذا الضرب ، على ما تستحقه ، وفي ترك رسمها ، لدلالة الضمة عليها . وبالله التوفيق . 
				
						
						
