[ ص: 181 ] باب 
ذكر نقط ما نقص هجاؤه  
. . . زائدة . والتي بعد الراء التي هي همزة ساكنة ، وهي لام ، فللإيجاز والاختصار ، وتقليل صور حروف الاعتلال التي هي حروف المد والهمز في هذه الكلمة ؛ لثقل هذه الحروف وتخصيصها بالتغيير . مع أن الألف الأولى صوت ، وقد تنوب عنها الفتحة التي هي منها ، وتدل عليها ، وأن الألف الثانية همزة ، والهمزة حرف من سائر الحروف ، والحرف مستغن عن الصورة . 
فإذا نقط ذلك أثبتت الألفان بالحمراء ، وجعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وعلامة السكون عليها ، في الثانية منهما . 
* * * 
وأما رسم " يبنؤم " كلمة واحدة ، وهو في الأصل ثلاث كلم : ( يا ) كلمة ، و ( ابن ) كلمة ، و ( أم ) كلمة ؛ فعلى مراد الوصل ، وتحقيق  [ ص: 182 ] اللفظ . فلذلك حذفت ألف ( يا ) وألف ( ابن ) لعدمهما في النطق بكون الأولى ساكنة ، والثانية للوصل . وقد اتصلتا بالباء الساكنة من ( ابن ) . وصورت همزة ( أم ) المبتدأة واوا ؛ لما وصلت بما قبلها ، كما تصور الهمزة المضمومة المتوسطة في نحو : يكلؤكم  ، و يذرؤكم  ، و نقرؤه  ، وشبهه سواء . فصار ذلك كلمة واحدة ، وخرج رسمه على لفظه دون أصله . 
فإذا نقط جعلت الهمزة نقطة بالصفراء في الواو ، وجعلت حركتها نقطة بالحمراء أمامها . 
* * * 
وأما رسم " إنا برءؤا " بالواو والألف ، وحذف صورة الهمزة الأولى وصورة الألف بعدها التي هي بعد اللام في بناء " فعلاء " فلأسباب قد ذكرنا بعضها . 
أما حذف صورة الهمزة فلاستغناء الهمزة عن الصورة ، من حيث كانت حرفا قائما بنفسه كسائر الحروف . وأما حذف الألف بعدها فلزيادتها في الاسم ، إذ ليست بفاء منه ولا بعين ولا بلام ، وأنها صوت ، فحذفت اختصارا . 
وأما إثبات الواو فللمعاني التي ذكرناها في نظائر ذلك قبل . ومن أحسنها أن تكون صورة للهمزة المضمومة ، على مراد وصلها بما بعدها . فلذلك صورت  [ ص: 183 ] بالحرف الذي منه حركتها ، والذي تقرب في حال التسهيل منه ، وهو الواو . كما صورت بذلك في نحو قوله : يذرؤكم  ، و يكلؤكم  ، و تؤزهم  ، وشبهه من المتصل ، من حيث كان المنفصل بالمراد والنية كالمتصل . وكانت العرب قد أجرته مجراه في كثير من كلامها . وحكمت للشيء بحكم الشيء إذا اشتبها من بعض الجهات . 
وأما إثبات الألف بعد الواو فللمعنيين المذكورين ، وهما : شبه هذه الواو بواو الضمير في الصورة ولزوم الطرف ، وتقوية الهمزة بها ، فلذلك أثبتت بعدها . وأيضا فإنه لما حذف من هذه الكلمة بعد عينها صورتان ، اختصارا وتخفيفا ، زيد بعد لامها صورتان ، دلالة وتبيينا ، ليستوي بذلك عدد حروفها في الكتابة ، مع تضمنها المعاني المذكورة . 
فإذا نقط ذلك على هذا المذهب جعلت الهمزة في الواو ، وجعلت حركتها أمامها ، وجعل على الألف بعدها دارة ؛ علامة لزيادتها . ورسم بين الراء والواو ألف بالحمراء ، وجعلت الهمزة المفتوحة بينها وبين الراء في السطر ، وجعلت فتحتها عليها ، وجعلت مطة على تلك الألف . 
* * * 
 [ ص: 184 ] واتفقت المصاحف على حذف الواو التي هي صورة الهمزة في قوله : " الرءيا " ، و " رءياك " ، و " رءياي " في جميع القرآن ، على مراد تحقيقها دون تسهيلها . وذلك من حيث كانت الهمزة حرفا من سائر الحروف ، فاستغنت بذلك في حال تحقيقها عن الصورة . 
فإذا نقط ذلك جعلت الهمزة بين الراء والياء في بياض السطر ، وجعل عليها علامة السكون جرة . وإن صورت الواو بالحمراء ، وجعلت الهمزة فيها ؛ فحسن . 
* * * 
ورأيت مصاحف أهل العراق  وأهل بلدنا قد اتفقت على حذف ألف البناء ، وصورة الهمزة المضمومة والمكسورة بعدها في قوله في ( البقرة ) : " أوليئهم الطاغوت " ، وفي ( الأنعام ) : " وقال أوليئهم " ، و " إلى أوليئهم " ، وفي ( الأحزاب ) : " إلى أوليئكم " ، وفي ( فصلت ) : " نحن أوليئكم " . 
فأما حذف الألف فلكونها متوسطة زائدة ، إذ هي للبناء لا غير . وأما حذف صورة الهمزة فلكون الهمزة حرفا قائما بنفسه ، لا يحتاج إلى صورة . 
فإذا نقط ذلك أثبتت الألف بالحمراء ، وجعلت الهمزة بعدها في السطر ،  [ ص: 185 ] وجعلت ضمتها أمامها ، وكسرتها تحتها . وإن صورت الواو والياء ، وجعلت الهمزة فيهما ؛ فحسن . 
قال ابن المنادي : في المصاحف العتق : " أوليئهم من الإنس " ، و " ليوحون إلى أوليئهم " ، و " إن أوليئه إلا المتقون " . 
قال : وهذا عندنا مما نظر إليه عثمان   - رحمه الله - ، فقال : أرى في المصحف لحنا ، وستقيمه العرب بألسنتها  . فأوجب ذلك من القول أن من الخط المكتوب ما لا تجوز به القراءة من وجه الإعراب ، وأن حكمه أن يترك على ما خط ، ويطلق للقارئين أن يقرؤوا بغير الذي يرونه مرسوما . 
وغير جائز عندنا أن يرى عثمان   - رضي الله عنه - شيئا في المصحف يخالف رسم الكتابة ، مما لا وجه له فيها بحيلة ، فيتركه على حاله ، ويقره في مكانه ، ويقول : إن في المصحف لحنا ، وستقيمه العرب بألسنتها . إذ لو كان ذلك جائزا لم يكن للكتابة معنى ، ولا كان فيها فائدة ، بل كانت تكون وبالا ؛ لاشتغال القلوب بها . ومعنى قوله - رحمه الله - هو ما ذكرناه مشروحا في كتابنا المصنف في المرسوم . 
 [ ص: 186 ] وعلة هذه الحروف وغيرها ، من الحروف المرسومة على خلاف ما يجري به رسم الكتاب من الهجاء في المصحف ، الانتقال من وجه معروف مستفيض إلى وجه آخر مثله في الجواز والاستعمال . وإن كان المنتقل عنه أظهر معنى ، وأكثر استعمالا . 
* * * 
 [ ص: 187 ] ورسم في جميع المصاحف قوله : " لإيلف قريش " بياء بعد الهمزة . ورسم " إلفهم " بغير ياء . ولم ترسم الألف بعد اللام في الحرفين اختصارا . 
فإثبات الياء في الأول على الأصل ، من حيث كان مصدرا لقولك : " آلف يؤلف إيلافا " مثل " آمن يؤمن إيمانا " ، فالياء فاء . 
وحذف الياء في الثاني من وجوه : منها أن يكون مصدرا لـ " آلف " مثل الأول . إلا أن الياء التي هي فاء حذفت اختصارا ، لدلالة الكسرة قبلها عليها . ومنها أن يكون مصدرا لـ ألف  على مثل فعل  ، ومصدره في ذلك على وجهين قد قرئ بهما ، وهما : " إلافا " مثل قولك كتابا  ، و " إلفا " مثل قولك : علما   . وإذا كان مصدرا لذلك لم تكن فيه ياء ؛ لأن الهمزة في أوله هي فاء الفعل . 
 [ ص: 188 ] وقد قرأ ابن عامر  في الأول بحذف الياء ، جعله مصدرا لـ ألف   . 
فإذا نقط الحرف الأول ، على غير قراءة  ابن عامر  ؛ جعلت الهمزة في الألف المختلطة باللام ، وجعلت حركتها من تحتها . 
وإذا نقط على قراءة  ابن عامر  ؛ فعلى وجهين : أحدهما أن تجعل الهمزة وحركتها في الألف أيضا ، وتجعل على الياء دارة علامة لزيادتها في الخط وذهابها من اللفظ . والثاني أن تجعل الهمزة وحركتها في الياء ، وتجعل على الألف دارة علامة لزيادتها . وكل ما ذكرناه من الوجوه والمعاني في " ملإيه " ، و " ملإيهم " فهي جائزة في ذلك على قراءته . 
وإذا نقط الحرف الثاني جعلت الهمزة وحركتها في الألف ، ورسمت الياء بعدها ؛ ليتأدى بذلك لفظها ، على قراءة الجماعة . 
* * * 
ورسم في كل المصاحف "الصلاوة" ، و "الزكاوة" ، و "الحياوة" ،  [ ص: 189 ] و "بالغداوة" ، و "كمشكاوة"، و "النجاوة "، و "مناوة" بالواو على الأصل ، أو على لغة أهل الحجاز  الذي يفرطون في تفخيم الألف وما قبلها في ذلك . 
فإذا نقط ذلك جعل على الواو ألف بالحمراء ؛ ليدل على استقرارها في اللفظ دون الواو . 
وكذا يفعل بسائر ما رسم من ألفات التأنيث والألفات المنقلبات عن الياء ، بالياء . تجعل على الياء ألف حمراء ، ليدل على أن لفظ الياء انقلب إليها ، نحو قوله : "أبى" ، و "لا يخفى" ، و "فسوايهن" ، و "سمايكم" ، و "ذكرايهم" ، و "ذكرايها"، و الذكرى  ، و لليسرى  ، و الموتى  ، وشبهه . 
وهذا ما لم يلق الألف المرسومة ياء ساكن ، فإن لقيها لم تجعل الألف على الياء ، لعدمها في حال الاتصال ، وذلك نحو قوله : نرى الله  ، و " الكبرى اذهب " ، وشبهه . 
 [ ص: 190 ] وكذا تلحق الألفات المحذوفات من الرسم اختصارا بالحمراء ، في المتفق عليه والمختلف فيه . 
فالمتفق عليه نحو : " العالمين " ، و " الكافرين " ، و " الفاسقين " ، و أولئك  ، و " الملائكة " ، و " لإيلف قريش إلافهم " ، و " الاتي دخلتم " ، و " الائي تظاهرون " ، وشبهه . وهذا الضرب كثير الدور في القرآن . 
والمختلف فيه نحو : " ملك يوم الدين " ، و " ما يخدعون " ، و فأزلهما  ، و خطيئته  ، و دفع الله  ، و " قاتلوا وقتلوا " ،  [ ص: 191 ] و قياما  ، و حاشا لله  ، و " أصلوتك " ، و " حاذرون  ، و " فارهين  ، و فكهين  ، و إليكم السلام  ، و ذريتهم  ،  [ ص: 192 ] و درست  ، و فرقوا  ، و على مكانتكم  ، وشبهه ، وهو كثير جدا . وقد ذكرنا أصل جميعه في كتابنا المصنف في المرسوم . 
وكذا أيضا تلحق الياءات المحذوفة على قراءة من أثبتهن في الوصل دون الوقف ، أو في الوصل والوقف ، نحو قوله : الداع إذا دعان  ، و " واتقون يأولي الألباب " ، و " اخشون " ، و يوم يأت  ، و المتعال  ، وشبهه ، مما قد ذكرنا جميعه في المرسوم وغيره . وبالله التوفيق . 
. 
				
						
						
