( ومن ) المرض ( المخوف )  قيل هو كل ما يستعد بسببه للموت بالإقبال على العمل الصالح  ،  وقيل كل ما اتصل به الموت . 
وقال الماوردي  وتبعاه كل ما لا يتطاول بصاحبه معه الحياة  ،  وترك المصنف  حده لهذا الاختلاف  ،  ونقلا عن الإمام  وأقراه أنه لا يشترط في كونه مخوفا غلبة حصول الموت بل عدم ندرته كالبرسام الذي هو ورم في حجاب القلب أو الكبد يصعد أثره إلى الدماغ  ،  وهو المعتمد وإن نازع فيه ابن الرفعة  فعلم أنه ما يكثر فيه الموت عاجلا وإن خالف المخوف عند الأطباء ( قولنج ) بضم أوله مع اللام وفتحها  ،  وهو أن تنعقد أخلاط الطعام في بعض الأمعاء فلا تنزل ويصعد بسببه بخار إلى الدماغ فيهلك  ،  وهو أقسام عند الأطباء  ،  ولا فرق بين معتاده وغيره  ،  وقول الأذرعي    : يظهر أن يقال محله إن أصاب من لم يعتده فإن كان ممن  ،  يصيبه كثيرا ويعافى منه كما هو مشاهد فلا  ،  رده الوالد  رحمه الله تعالى  [ ص: 62 ] بمنع كونه من القولنج المذكور حينئذ وإن سماه العوام به  ،  وبتقدير تسميته بذلك فهو مرض يخاف منه الموت عاجلا وإن تكرر له ( وذات جنب ) وتسمى ذات الخاصرة  ،  وهي قروح تحدث داخل الجنب بوجع شديد ثم تنفتح في الجنب ويسكن الوجع وذلك وقت الهلاك  ،  وإنما كانت مخوفة لقربها من الرئيسين القلب والكبد ومن علاماتها : الحمى اللازمة وشدة الوجع تحت الأضلاع وضيق النفس والسعال ( ورعاف ) بتثليث أوله ( دائم ) ; لأنه يسقط القوة بخلاف غير الدائم  ،  ولعل مرادهم بالدائم المتتابع وأنه لا بد في تتابعه أن يمضي فيه زمن يفضي مثله فيه عادة كثيرا إلى الموت ولا يضبط بما يأتي في الإسهال ; لأن القوة تتماسك معه نحو اليومين بخلاف الدم ; لأنه قوام الروح ( وإسهال متواتر ) أي متتابع ; لأنه ينشف رطوبات البدن ( ودق ) بكسر أوله  ،  وهو داء يصيب القلب ولا تمتد معه الحياة غالبا ( وابتداء فالج ) بخلاف دوامه سواء أكان معه ارتعاش أم لا ; لأنه لا يخاف منه الموت عاجلا  ،  وهو عند الأطباء استرخاء أحد شقي البدن طولا  ،  وعند الفقهاء استرخاء أي عضو كان  ،  وسببه غلبة الرطوبة والبلغم  ،  ووجه الخوف في ابتدائه الهيجان حينئذ فربما أطفأ الحرارة الغريزية وأهلك لا السل بكسر السين مطلقا  ،  وهو داء يصيب الرئة فيأخذ منه البدن في النقصان والاصفرار . 
قال البستي  في شرحه للوسيط : ولعل وجع الاستسقاء مثله ( وخروج الطعام غير مستحيل ) لزوال القوة الماسكة  ،  ويلزم من هذا الإسهال لكن لا يشترط تواتره ولهذا ذكره بعد ( أو كان يخرج بشدة ووجع ) ويسمى الزحير  ،  وإفادة المضارع في خبر كان التكرار المراد هنا اختلف فيها الأصوليون . 
والتحقيق أنه يفيده عرفا لا وضعا ( أو ومعه دم ) من عضو شريف ككبد دون البواسير ; لأنه يسقط القوة . 
قال السبكي    : وما بأصله من أن خروجه بشدة ووجع أو ومعه دم إنما يكون مخوفا إن صحبه إسهال وإن لم يتواتر هو الصواب  ،  ثم بين هو ومن تبعه أن أصل نسخة المصنف  موافقة لأصله وإنما فيها إلحاق اشتبه على الكتبة فوضعوه في غير محله  ،  وكل ذلك فيه نظر  ،  فكلام الأطباء صريح في أن الزحير وحده مخوف وكذا خروج دم العضو الشريف  ،  فالوجه أخذا مما أشعرت به كأن حمل ما في الكتاب على ما إذا تكرر ذلك تكرارا يفيد سقوط القوة وإن لم يكن معه إسهال  ،  ويحمل كلام أصله ومن تبعه على أنه إذا صحبه إسهال نحو يومين لا يشترط فيه ذلك التكرار فلا خلاف بين العبارتين ( وحمى ) شديدة ( مطبقة ) بكسر الباء أشهر من فتحها : أي لازمة لا تبرح بأن جاوزت يومين لإذهابها حينئذ للقوة التي هي قوام الحياة . فإن لم تجاوزهما  [ ص: 63 ] فقد مر حكمها ( أو غيرها ) من ورد تأتي كل يوم وغب تأتي يوما وتقلع يوما وثلث تأتي يومين وتقلع يوما وحمى الأخوين تأتي يومين وتقلع يومين  ،  وظاهر كلامهم أنه لا فرق في هذه الأربعة بين طول زمنها وقلته ( إلا الربع ) بكسر أوله كالبقية وهي التي تأتي يوما وتقلع يومين ; لأنه يتقوى في يومي الإقلاع  ،  ومحله إن لم يتصل بها الموت وإلا فقد مر فيها تفصيل بين أن يكون التصرف قبل العرق وبعده . 
ووجه تسميتها بذلك أن مجيئها ثانيا بالنسبة للأول في الرابع أو من ربع الإبل  ،  وهو ورود الماء في اليوم الثالث  ،  وتسميها العامة بالمثلثة  ،  وبقي من المخوف أشياء . 
منها جرح نفذ بجوفه أو على مقتل أو محل كثير اللحم أو صحبه ضربان شديد أو تآكل أو تورم وقيء دائم أو صحبه خلط  ،  ويظهر أن العبرة في دوامه بما مر في الإسهال لا الرعاف  ،  ويلحق بالمخوف أشياء كالوباء والطاعون أي زمنهما فتصرف الناس كلهم فيه محسوب من الثلث  ،  لكن قيده في الكافي بما إذا وقع في أمثاله وهو حسن كما قاله الأذرعي  ،  وهل يقيد به إطلاقهم حرمة دخول بلد الطاعون أو الوباء أو الخروج منها لغير حاجة أو يفرق ؟ فيه نظر  ،  وعدم الفرق أقرب  ،  وعموم النهي يشمل التحريم مطلقا ( والمذهب أنه يلحق بالمخوف  أسر كفار ) أو مسلمين ( اعتادوا قتل الأسراء والتحام قتال بين ) اثنين أو حزبين ( متكافئين ) أو قريبي التكافؤ اتحدا إسلاما وكفرا أم لا ( وتقديم ل ) قتل بنحو ( قصاص أو رجم ) ولو بإقراره . 
( واضطراب ريح وهيجان موج ) الجمع بينهما تأكيد لتلازمهما عادة ( في ) حق ( راكب سفينة ) ببحر أو نهر عظم كالنيل والفرات كما بحثه بعضهم وإن أحسن السباحة وقرب من البر حيث لم يغلب على ظنه النجاة منه كما اقتضاه إطلاقهم  ،  وألحق الماوردي  بذلك من أدركه سيل أو نار أو أفعى قتالة أو أسد ولم يتصل ذلك به لكنه يدركه لا محالة  ،  أو كان بمفازة وليس ثم ما يأكله واشتد جوعه وعطشه ; لأن ذلك كله يخاف منه الموت كثيرا  ،  بل هو لكونه لا ينفع فيه دواء أولى من المرض  ،  وخرج باعتادوا غيرهم كالروم وبالالتحام الذي هو اتصال الأسلحة ما قبله وإن تراموا بالنشاب والحراب  ،  وبمتكافئين الغالبة بخلاف المغلوبة وبتقديم لذلك الحبس له  ،  وإنما جعل مثله في وجوب الإيصاء الوديعة ونحوها احتياطا لحفظ مال الآدمي عن الضياع  ،  وظاهر تعبيرهم بالتقديم للقتل أن ما قبله ولو بعد الخروج من الحبس إليه لا يعتبر  ،  وهو ظاهر لبعد السبب حينئذ  ،  وأنه بعد التقديم لو مات بهدم مثلا كان تبرعه بعد التقديم محسوبا من  [ ص: 64 ] الثلث كالموت أيام الطاعون بغير الطاعون ( وطلق حامل ) وإن تكررت ولادتها لعظم خطرها  ،  ولهذا كان موتها منه شهادة وخرج به نفس الحمل فليس بمخوف  ،  ولا أثر لتولد الطلق المخوف منه ; لأنه ليس بمرض  ،  وبه فارق قولهم لو قال أهل الخبرة إن هذا المرض غير مخوف لكنه يتولد منه مخوف كان كالمخوف . 
( وبعد الوضع ) لولد مخلق ( ما لم تنفصل المشيمة ) وهي التي تسميها النساء الخلاص ; لأنها تشبه الجرح الواصل إلى الجوف ولا خوف في إلقاء علقة ومضغة  ،  بخلاف موت الولد في الجوف . أما إذا انفصلت المشيمة فلا خوف  ،  ومحله إن لم يحصل من الولادة جرح أو ضربان شديد أو ورم وإلا فحتى يزول . 
     	
		
				
						
						
