( والإجابة [ ص: 371 ] إليها ) بناء على أنها سنة ( فرض عين ) لخبر مسلم { شر الطعام طعام الوليمة ، تدعى إليها الأغنياء وتترك الفقراء } { ومن لم يجب الدعوة } أي بفتح الدال ، وقول قطرب بضمها غلطوه فيه ، كذا قاله جمع ، وينافيه قول القاموس وتضم إلا أن يجاب بأن سبب التغليط أن قطرب يوجب الضم { فقد عصى الله ورسوله } والمراد وليمة العرس لأنها المعهودة عندهم ، وللخبر الصحيح { إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب } ولا تجب إجابة لغير وليمة عرس ومنه وليمة التسري كما هو ظاهر . وقيل تجب ، واختاره السبكي رحمه الله عليه لأخبار فيه ( وقيل ) فرض ( كفاية ) ويصح الرفع لأن القصد إظهار الحلال عن السفاح وهو حاصل بحصول البعض ، ويرد بفرض تسليم ما علل به بأنه يؤدي إلى التواكل ( وقيل سنة ) لأنه تمليك مال فلم يجب ، ويرد بأن الأكل سنة لا واجب . أما على أنها واجبة فتجب الإجابة إليها قطعا : أي بالشروط الآتية كما اقتضته عبارة الروضة ( وإنما ) ( تجب ) الإجابة على الصحيح ( أو تسن ) على مقابله أو عند فقد بعض شروط الوجوب أو في بقية الولائم ( بشرط ) ( أن ) يخصه بدعوة ولو بكتابة أو رسالة مع ثقة أو مميز لم يجرب عليه الكذب جازمة لا إن فتح بابه وقال ليحضر من شاء أو قال له أحضر إن شئت ما لم تظهر قرينة على جريان ذلك على وجه التأدب أو الاستعطاف مع ظهور رغبته في حضوره ، ويحمل عليه قول بعض الشراح أو قال له إن شئت أن تحملني لزمته الإجابة وأن يكون مسلما فلا تجب إجابة ذمي بل تسن إن رجي إسلامه أو كان نحو قريب أو جار ، وسيأتي في الجزية حرمة الميل إليه بالقلب ، ولا يلزم ذميا إجابة مسلم ، وأن لا يكون في مال الداعي شبهة أي قوية بأن يعلم أن في ماله حراما ولا يعلم عينه ، ولو لم يكن أكثر ماله حراما فيما يظهر خلافا لما يقتضيه كلام بعضهم من التقييد لكن يؤيده عدم كراهة معاملته والأكل معه إلا حينئذ ، ويرد بأنه يحتاط للوجوب ما لا يحتاط للكراهة لأنه لا يوجد الآن مال ينفك عن شبهة ، وأن لا تدعوه [ ص: 372 ] امرأة أجنبية
إلا إن كان ثم نحو محرم له أنثى يحتشمها أو لها وأذن زوج المزوجة وسن لها الوليمة وإلا لم تجب الإجابة وإن لم تكن خلوة محرمة خشية الفتنة ، ومن ثم لو كان كسفيان وهي كرابعة وجبت الإجابة ، والأوجه أن دعوتها أكثر من رجل كذلك ما لم يحصل جمع تحيل العادة معهم أدنى فتنة أو ريبة كما يعلم مما يأتي آخر العدد . ويتصور اتحاد الرجل مع اشتراط عموم الدعوة بأن لا يكون أولا يعرف ثم غيره ، بل يأتي في هذا ما يعلم منه أنه قد يتحد لقلة ما عنده ومن صور وليمة المرأة أن تولم عن الرجل بإذنه كذا قيل ، وفيه نظر ، إذ الذي يظهر حينئذ أن العبرة بدعوته لا بدعوتها لأن الوليمة صارت له بإذنه لها المقتضي لتقدير دخول ذلك في ملكه نظير إخراج فطرة غيره بإذنه ، وحينئذ يتعين أن يزاد في التصوير أنه أذن لها في الدعوة أيضا ، وأن لا يعذر بمرخص جماعة كما في البيان وغيره وإن توقف الأذرعي في إطلاقه ، وأن لا يكون الداعي فاسقا أو شريرا طالبا للمباهاة والفخر كما في الإحياء ، وبه يعلم اتجاه قول الأذرعي كل من جاز هجره لا تجب إجابته ، وأن لا يدعى قبل وتلزمه الإجابة . أما عند عدم لزومها فيظهر أنها كالعدم بل يجيب الأسبق ، فإن جاءا معا أجاب الأقرب رحما ، فإن استويا أقرع . وظاهر قولهم أجاب الأقرب وقوله أقرع وجوب ذلك عليه وقد ينظر فيه ، إذ لو قيل بالندب فقط للتعارض المسقط للوجوب لم يبعد ، وأن يكون الداعي مطلق التصرف فلا يجيب غيره وإن أذن له وليه لعصيانه بذلك ، ثم إن أذن لعبده في أن يولم كان كالحر لكن بشرط أن يأذن له في الدعوة أيضا نظير ما مر فيما يظهر ، ولو اتخذها الولي من مال نفسه وهو أب أو جد وجب الحضور كما بحثه الأذرعي . وأن يكون المدعو حرا ولو سفيها أو عبدا بإذن سيده ولو مكاتبا لم يأذن له إن لم يضر حضوره بكسبه وإلا فبالإذن فيما يظهر أو مبعضا في نوبته ، وغير قاض : أي في محل ولايته ، نعم يستحب له ما لم يخص بها بعض الناس إلا من كان يخصهم قبل الولاية
[ ص: 373 ] فلا بأس باستمراره . قال الماوردي والروياني والأولى في زماننا أن لا يجيب أحد الخبث النيات وألحق به الأذرعي رحمه الله تعالى كل ذي ولاية عامة في محل ولايته والأوجه استثناء أبعاضه ونحوهم فيلزمه إجابتهم لعدم نفوذ حكمه لهم وأن لا يعتذر للداعي فيعذره أي عن طيب نفس لا حياء بحسب القرائن كما هو ظاهر


