[ النية روح العمل ولبه    ] 
فالنية روح العمل ولبه وقوامه ، وهو تابع لها يصح بصحتها ويفسد بفسادها ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال كلمتين كفتا وشفتا وتحتهما كنوز العلم وهما قوله : { إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى   } فبين في الجملة الأولى أن العمل لا يقع إلا بالنية ، ولهذا لا يكون عمل إلا بنية ، ثم بين في الجملة الثانية أن العامل ليس له من عمله إلا ما نواه وهذا يعم العبادات والمعاملات والأيمان والنذور وسائر العقود والأفعال ، وهذا دليل على أن من نوى بالبيع عقد الربا  حصل له الربا ، ولا يعصمه من ذلك صورة البيع ، وأن من نوى بعقد النكاح التحليل  كان محللا ، ولا يخرجه من ذلك صورة عقد النكاح ; لأنه قد نوى ذلك ، وإنما لامرئ ما نوى ; فالمقدمة الأولى معلومة بالوجدان ، والثانية معلومة بالنص ، وعلى هذا فإذا نوى بالعصر حصول الخمر  كان له ما نواه ، ولذلك استحق اللعنة ، وإذا نوى بالفعل التحيل على ما حرمه الله ورسوله  كان له ما نواه ; فإنه قصد المحرم وفعل مقدوره في تحصيله ، ولا فرق في التحيل على المحرم بين الفعل الموضوع له وبين الفعل الموضوع لغيره إذا جعل ذريعة له ، لا في عقل ولا في شرع ; ولهذا لو نهى الطبيب المريض عما يؤذيه وحماه منه فتحيل على تناوله  عد متناولا لنفس ما نهى عنه ، ولهذا مسخ الله اليهود  قردة لما تحيلوا على فعل ما حرمه الله ، ولم يعصمهم من عقوبته إظهار الفعل المباح لما توسلوا به إلى ارتكاب محارمه ، ولهذا عاقب أصحاب الجنة بأن حرمهم ثمارها لما توسلوا بجذاذها مصبحين إلى إسقاط نصيب المساكين ، ولهذا لعن اليهود  لما أكلوا ثمن ما حرم الله عليهم أكله ، ولم يعصمهم التوسل إلى ذلك بصورة البيع . وأيضا فإن اليهود  لم ينفعهم إزالة اسم الشحوم عنها بإذابتها فإنها بعد الإذابة يفارقها الاسم وتنتقل إلى اسم الودك ، فلما تحيلوا على استحلالها بإزالة الاسم لم ينفعهم ذلك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					