الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ ص: 276 ] تزويج عبده جارية بعد أن حلف لا يزوجه إياها ]

المثال الرابع والعشرون : إذا طلب عبده منه أن يزوجه جاريته فحلف بالطلاق ألا يزوجه إياها ، فالحيلة على جواز تزويجه بها ولا يحنث أن يبيعهما جميعا أو يملكهما لمن يثق به ، ثم يزوجهما المشتري ، فإذا فعل ذلك استردهما ولا يحنث ; لأنه لم يزوج أحدهما الآخر ، وإنما فعل ذلك غيره ، وقال القاضي أبو يعلى : وهذا غير ممتنع على أصلنا ; لأن الصفة قد وجدت في حال زوال ملكه ، فلا يتعلق به حنث ولا يتعلق الحنث باستدامة العقد بعد أن ملكهما ; لأن التزويج عبارة عن العقد وقد تقضى ، وإنما بقي حكمه فلم يحنث باستدامته ، قال : ويفارق هذا إذا حلف على عبده لا أدخل هذه الدار فباعه ودخلها ثم ملكه ودخلها بعد ذلك فإنه يحنث ; لأن الدخول عبارة عن الكون ، وذلك موجود بعد الملك كما كان موجودا في الملك الأول .

قال : وقد علق أحمد القول في رواية مهنا في رجل قال لامرأته : " أنت طالق إن رهنت كذا وكذا " فإذا هي قد رهنته قبل اليمين ، فقال : أخاف أن يكون قد حنث ، قال : وهذا محمول على أنه قال : " إن كنت رهنتيه " فيحنث ; لأنه حلف على ماض .

ولا يخفى ما في هذا الحمل من مخالفة ظاهر كلام السائل وكلام الإمام أحمد ; أما كلام السائل فظاهر في أنه إنما أراد رهنا تنشئه بعد اليمين فإن أداة الشرط تخلص الفعل الماضي للاستقبال ، فهذا الفعل مستقبل بوضع اللغة والعرف والاستعمال .

وأما كلام الإمام أحمد فإنه لو فهم من السائل ما حمله عليه القاضي لجزم بالحنث ، ولم يقل : " أخاف " فهو إنما يطلق هذه اللفظة فيما عنده فيه نوع توقف . واستقراء أجوبته يدل على ذلك .

وإنما وجه هذا أنه جعل استدامة الرهن رهنا كاستدامة اللبس والركوب والسكنى والجماع والأكل والشرب ونحو ذلك .

ولما كان لها شبه بهذا وشبه باستدامة النكاح والطيب ونحوهما لم يجزم بالحنث ، بل قال : أخاف أن يكون قد حنث ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية