الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ لا يجوز أن ينسب القول بجواز الحيل إلى إمام ] : والمقصود أن هذه الحيل لا تجوز أن تنسب إلى إمام ; فإن ذلك قدح في إمامته ، وذلك يتضمن القدح في الأمة حيث ائتمت بمن لا يصلح للإمامة ، وهذا غير جائز ، ولو فرض أنه حكي عن واحد من الأئمة بعض هذه الحيل المجمع على تحريمها فإما أن تكون الحكاية باطلة ، أو يكون الحاكي لم يضبط لفظه فاشتبه عليه فتواه بنفوذها بفتواه بإباحتها مع بعد ما بينهما ، ولو فرض وقوعها منه في وقت ما فلا بد أن يكون قد رجع عن ذلك وإن لم يحمل الأمر على ذلك لزم القدح في الإمام وفي جماعة المسلمين المؤتمين به ، وكلاهما غير جائز ، ولا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز الإذن في التكلم بكلمة الكفر لغرض من الأغراض ، إلا المكره إذا اطمأن قلبه بالإيمان .

ثم إن هذا على مذهب أبي حنيفة وأصحابه أشد ; فإنهم لا يأذنون في كلمات وأفعال دون ذلك بكثير ، ويقولون : إنها كفر ، حتى قالوا : لو قال الكافر لرجل : " إني أريد أن أسلم " فقال له : " اصبر ساعة " فقد كفر ، فكيف بالأمر بإنشاء الكفر ؟ وقالوا : لو قال : " مسيجد " أو صغر لفظ المصحف كفر .

فعلمت أن هؤلاء المحتالين الذين يفتون بالحيل التي هي كفر أو حرام ليسوا مقتدين بمذهب أحد من الأئمة ، وأن الأئمة أعلم بالله ورسوله ودينه وأتقى له من أن يفتوا بهذه الحيل ، وقد قال أبو داود في مسائله : سمعت أحمد وذكر أصحاب الحيل : يحتالون لنقض سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في رواية أبي الحارث الصانع : هذه الحيل التي وضعوها عمدوا إلى السنن واحتالوا لنقضها ، والشيء الذي قيل لهم إنه حرام احتالوا فيه حتى أحلوه ، قالوا : الرهن لا يحل أن يستعمل ، ثم قالوا : يحتال له حتى يستعمل ، فكيف يحل بحيلة ما حرم [ ص: 142 ] الله ورسوله ؟ وقال صلى الله عليه وسلم : { لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فأذابوها فباعوها وأكلوا أثمانها } أذابوها حتى أزالوا عنها اسم الشحم ، وقد { لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له } .

وقال في رواية ابنه صالح : عجبت مما يقول أرباب الحيل في الحيل في الأيمان ، يبطلون الأيمان بالحيل وقد قال الله تعالى : { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } وقال : { يوفون بالنذر } وكان ابن عيينة يشتد عليه أمر هذه الحيل ، وقال في رواية الميموني وقد سأله : إنهم يقولون في رجل حلف على امرأته وهي على درجة إن صعدت أو نزلت فأنت طالق ، " قالوا : تحمل حملا ، فقال : هذا هو الحنث بعينه ، ليست هذه حيلة ، هذا هو الحنث ، وقالوا : إذا حلف لا يطأ بساطا يطأ بساطين ، وإذا حلف لا يدخل دارا يحمل ، فأقبل أبو عبد الله يعجب ، وقال أبو طالب : سمعت أبا عبد الله قال له رجل : في كتاب الحيل إذا اشترى الرجل الأمة فأراد أن يقنع بها يعتقها ثم يتزوجها ، فقال أبو عبد الله : سبحان الله ، ما أعجب هذا ، أبطلوا كتاب الله والسنة ، جعل الله على الحرائر العدة من أجل الحمل ، فليس من امرأة تطلق أو يموت زوجها إلا تعتد من أجل الحمل ، ففرج يوطأ يشتريه ثم يعتقه على المكان فيتزوجها فيطؤها .

فإن كانت حاملا كيف يصنع ؟ يطؤها رجل اليوم ويطؤها الآخر غدا ؟ هذا نقض للكتاب والسنة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا توطأ الحامل حتى تضع ، ولا غير الحامل حتى تحيض } ولا يدري [ هل ] هي حامل أم لا ] سبحان الله ، ما أسمج هذا ، وقال محمد بن الهيثم : سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل - يحكي عن مقاتل بن محمد قال : شهدت هشاما وهو يقرئ كتابا ، فانتهى بيده إلى مسألة فجازها ، فقيل له في ذلك ، فقال : دعوه ، وكره مكاني ، فتطلعت في الكتاب ، فإذا فيه : لو أن رجلا لف على ذكره حريرة في شهر رمضان ثم جامع امرأته نهارا فلا قضاء عليه ولا كفارة .

التالي السابق


الخدمات العلمية