الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل :

[ إبطال حيلة لمن حلف لا يفعل شيئا ففعل بعضه ]

ومن الحيل الباطلة لو حلف لا يأكل هذا الرغيف ، أو لا يسكن في الدار هذه السنة ، أو لا يأكل هذا الطعام ، قالوا : يأكل الرغيف ويدع منه لقمة واحدة ، ويسكن السنة كلها إلا يوما واحدا ، ويأكل الطعام كله إلا القدر اليسير منه ولو أنه لقمة .

وهذه حيلة باطلة باردة ، ومتى فعل ذلك فقد أتى بحقيقة الحنث ، وفعل نفس ما حلف عليه ، وهذه الحيلة لا تتأتى على قول من يقول : يحنث بفعل [ بعض ] المحلوف [ عليه ] ولا على قول من يقول لا يحنث ، لأنه لم يرد مثل هذه الصورة قطعا ، وإنما أراد به إذا أكل لقمة مثلا من الطعام الذمي حلف أنه لا يأكله أو حبة من القطف الذي حلف على تركه ، ولم يرد أنه يأكل القطف إلا حبة واحدة منه ، وعالم لا يقول هذا .

ثم يلزم هذا المتحيل أن يجوز للمكلف فعل كل ما نهى الشارع عن جملته فيفعله إلا القدر اليسير منه ، فإن البر والحنث في الأيمان نظير الطاعة والمعصية في الأمر والنهي ، ولذلك لا يبر إلا بفعل المحلوف عليه جميعه ، لا بفعل بعضه ، كما لا يكون مطيعا إلا بفعله جميعه ، ويحنث بفعل بعضه كما يعصي بفعل بعضه ، فيلزم هذا القائل أن يجوز للمحرم [ ص: 229 ] في الإحرام حلق تسعة أعشار رأسه ، بل وتسعة أعشار العشر الباقي ; لأن الله تعالى إنما نهاه عن حلق رأسه كله ، لا عن بعضه ، كما يفتي لمن حلف لا يحلق رأسه أن يحلقه إلا القدر اليسير منه .

وتأمل لو فعل المريض هذا فيما نهاه الطبيب عن تناوله ، هل يعد قابلا منه ؟ أو لو فعل مملوك الرجل أو زوجته أو ولده ذلك فيما نهاهم عنه ، هل يكونون مطيعين له أم مخالفين ؟ وإذا تحيل أحدهم على نقض غرض الآمر وإبطاله بأدنى الحيل ، هل كان يقبل ذلك منه ويحمده عليه أو يعذره ؟ وهل يعذر أحدا من الناس يعامله بهذه الحيل ؟ فكيف يعامل هو بهذا من لا تخفى عليه خافية ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية