الوجه الثاني: أن يقال: هو لم يثبت امتناع ما ذكره من النقص بدليل عقلي، ولا بنص كتاب ولا سنة، بل إنما أثبته بما ادعاه من الإجماع. وهذه طريقته وطريقة أبي المعالي قبله ومن وافقهم، يقولون: وإذا كان كذلك فمعلوم أن المنازعين في اتصافه بذلك هم من أهل الإجماع، فكيف يحتج بالإجماع في مسائل النزاع؟ [ ص: 335 ] فإن قال: هؤلاء وافقونا على امتناع النقص عليه، وإنما نازعونا في كون ذلك نقصا. إن امتناع النقص على الله تعالى إنما علم بالإجماع، لا بالنص ولا بالعقل،
قيل له: إما أن يكونوا وافقوا على إطلاق اللفظ، وإما أن يكونوا وافقوا على معانيه.
فإن وافقوا على إطلاق القول بأنه سبحانه منزه عن النقص، وقالوا: ليس هذا من النقص، لم يكن مورد النزاع داخلا فيما عنوه بلفظ النقص، ومعلوم أن الإجماع حينئذ لا يكون حاصلا على المعنى المتنازع فيه، ولكن على لفظ لم يدخل فيه هذا المعنى عند بعض أهل الإجماع، ومثل هذا لا يكون حجة في المعنى، ولكن غايته - إذا قام الدليل على أن هذا يسمى في اللغة نقصا -: أن يكونوا لم يعبروا باللفظ اللغوي، وهذا بتقدير أن لا يكون له مساغ في اللغة: إنما فيه خطأ لغوي، فكيف إذا كانت هذه المقدمات غير مسلمة لهم في اللغة أيضا؟ ومثل هذا ليس بحجة على المعنى المتنازع فيه، وإنما يكون حجة لفظية، لو صحت مقدماته، فلا يحصل بها المقصود.
وإن كانوا وافقوا على نفي المعاني التي يعبر عنها بلفظ النقص: فمعلوم أن المعنى المتنازع فيه لم يوافقهم عليه ؛ فتبين أن مورد النزاع لا إجماع على نفيه قطعا، فلا يجوز الاحتجاج على نفيه بالإجماع.