[  التوضي والغسل والآداب الأخرى عند التحديث      ] :  
( ثم ) عند إرادتك نشر الحديث بالنية الصحيحة إن شاء الله تعالى ( توضأ ) وضوءك للصلاة ، ( واغتسل ) اغتسالك من الجنابة بحيث تكون على طهارة كاملة ، وتسوك ، وقص أظفارك ، وخذ شاربك ، ( واستعمل ) مع ذلك ( طيبا ) وبخورا في بدنك وثيابك ، فقد قال  أنس     : (  كنا نعرف خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم بريح الطيب     ) .  
وقال   ابن عمر     : (  كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستجمر بالألوة غير المطراة وكافور يطرحه معها     ) .  
( و ) كذا استعمل معه ( تسريحا ) للحيتك وتمشيطا لشعرك إن كان ، بأن ترسله وتحله قبل المشط ; لما      [ ص: 221 ] في الشمائل النبوية أنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته .  
والبس أحسن ثيابك ، وأفضلها البياض ، إلى غير ذلك مما يتجمل به من سائر أنواع الزينة المستحبة ، فالله ورسوله يحبان الجمال .  
( و ) كذا استعمل في حال تحديثك ( زبر ) أي : نهر ( المعتلي صوتا ) أي : صوته ( على ) قراءة ( الحديث ) ، والإغلاظ له ، لشمول النهي عن رفع الأصوات فوق صوته صلى الله عليه وسلم ذلك .  
كما  صرح به  مالك  حيث قال : إن من رفع صوته عند حديثه صلى الله عليه وسلم فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم     .  
( واجلس ) حينئذ مستقبل القبلة متمكنا بمقعدتك من الأرض لا مقعيا ونحوه ، ( بأدب ) ووقار ( وهيبة بصدر مجلس ) يكون القوم فيه ، بل وعلى فراش مرتفع يخصك أو منبر ، لما روينا  عن  مطرف  قال : كان الناس إذا أتوا  مالكا  رحمه الله خرجت إليهم الجارية فتقول لهم : يقول لكم الشيخ : تريدون الحديث أو المسائل ؟ فإن قالوا : المسائل . خرج إليهم في الوقت ، وإن قالوا : الحديث . دخل مغتسله فاغتسل وتطيب ولبس ثيابا جددا وتعمم ولبس ساجه ، وتلقى له منصة فيخرج فيجلس عليها ، وعليه الخشوع ، ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن يجلس على تلك المنصة إلا إذا حدث     .  
قال   ابن أبي أويس     : فقيل له في ذلك ، فقال : ( أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحدث به إلا على طهارة متمكنا     ) . ويقال : إنه أخذ ذلك عن   سعيد بن المسيب     .  
وكان   عبد الله بن عمر بن أبان  يخرج إلى مجلس تحديثه وهو طيب الريح حسن الثياب ،      [ ص: 222 ] فلقبه أهل  خراسان   لذلك مشكدانة  ، إذ المشك ، بضم الميم ، وبالمعجمة ، بالفارسية المسك ، بالكسر والمهملة ، والقول بأنه وعاء المسك تجوز ، ودانة الحبة ومعناه حبة مسك ، كل ذلك على وجه الاستحباب .  
وكره  قتادة  ومالك  وجماعة التحديث على غير طهارة ، حتى كان   الأعمش  إذا كان على غيرها يتيمم ، لكن قال بعضهم : إن هذه الأمور المحكية عن  مالك  لا ينبغي اتباعه فيها إلا لمن صحت نيته في خلوص هذه الأفعال تعظيما للحديث لا لنفسه ، لأن للشيطان دسائس في مثل هذه الحركات ، فإذا عرفت أن نيتك فيها كنية  مالك  فافعلها ، ولا يطلع على نيتك غير الله .  
ونحوه قول شيخنا في (  العذبة ) : إن فعلها بقصد السنة أجر   ، أو للتمشيخ والشهرة حرم . ولا شك أن حرمته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره بعد مماته عند ذكره وذكر حديثه وسماع اسمه وسيرته كما كانت في حياته ، وكذا معاملة آله وعترته وتعظيم أهل بيته وصحابته لازم ، وربما تعرض للمحدث ضرورة لا يتمكن معها من الجلوس ، فلا حرج في القراءة عليه وهو نائم .  
قال   ابن عساكر     : كنت أقرأ على  أبي عبد الفراوي  فمرض ، فنهاه الطبيب عن الإقراء ، وأعلمه أنه سبب لزيادة مرضه ، فلم يوافقه على ذلك ، بل كنت أقرأ عليه في مرضه وهو ملقى على فراشه إلى أن عوفي .  
وكذا قرأ   السلفي  وهو متكئ لدمامل أو نحوها كانت في مقعدته على شيخه   أبي الخطاب بن البطر  ،      [ ص: 223 ] وغضب الشيخ لعدم علمه بالعذر .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					