الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ الأخذ عمن هو فوقه ودونه ومثله ] :

( واكتب ) حيث لزمت ترك التكبر بالسند عمن لقيته ( ما تستفيده ) ; أي : الذي تحصل لك به فائدة من الحديث ونحوه ، ( عاليا ) كان سنده ( أو نازلا ) عن شيخك أو رفيقك أو من دونك في الرواية أو الدراية أو السن أو فيهما جميعا ، فالفائدة ضالة المؤمن حيثما وجدها التقطها ، بل قال وكيع وسفيان : إنه لا ينبل المحدث حتى يكتب عمن هو فوقه ومثله ودونه .

وكان ابن المبارك يكتب عمن دونه ، فيقال له ، فيقول : لعل الكلمة التي فيها نجاتي لم تقع لي .

وهكذا كانت سيرة السلف الصالح ، فكم من كبير روى عن صغير كما سيأتي في بابه ، وأوردت في ترجمة شيخنا من روايته عن جمع من رفقائه ، بل وتلامذته ، جملة .

وفي ( صحيح مسلم ) عن ابن عباس قال : كنت أقرئ رجالا من المهاجرين ; منهم : عبد الرحمن بن عوف . وكذا كان حكيم بن حزام يقرأ على معاذ بن جبل ، وقيل له : أتقرأ على هذا الغلام الخزرجي ؟ فقال : إنما أهلكنا التكبر .

والأصل في هذا قراءته صلى الله عليه وسلم مع عظيم منزلته على أبي بن كعب ، وقالوا : إنما قرأ [ ص: 296 ] عليه مع كونه لم يستذكر منه بذلك العرض شيئا ; ليتواضع الناس ، ولا يستنكف الكبير أن يأخذ العلم عمن هو دونه مع ما فيه من ترغيب الصغير في الازدياد إذا رأى الكبير يأخذ عنه ، كما يحكى أن بعضهم سمع صبيا في مجلس بعض العلماء يذكر شيئا ، فطلب القلم وكتبه عنه ، فلما فارقه قال : والله إني لأعلم به منه ، ولكن أردت أن أذيقه حلاوة رياسة العلم ; ليبعثه على الاستكثار .

ووقف القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري على جزء من حديث أبي الفضل الخزاعي فيه حكايات مليحة مما قرأه أبو سعد السمعاني أحد تلامذته بالكوفة على الشريف عمر بن إبراهيم الحسني بإجازته من محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي ، فكتبه بخطه ثم أمره بإسماعه له ، فقال له : كيف هذا يا سيدي وأنا أفتخر بالسماع منك ؟ فقال له : ذاك بحالة .

قال أبو سعد : فقرأته وسمعه القاضي مني مع جماعة ، وأمر بكتابة اسمه ففعلوا ، وكتب هو بخطه أول الجزء : ثنا أبو سعد السمعاني .

ولا تأنف من تحديثك عمن دونك ، فقد روينا في ( الوصية ) لأبي القاسم بن منده من طريق خارجة بن مصعب أنه قال : من سمع حديث من هو دونه فلم يروه فهو مراء ، لا سيما وقد فعله غير واحد . وفي رواية الأكابر عن الأصاغر والآباء عن الأبناء والأقران لذلك أمثلة كثيرة . [ ص: 297 ] .

وتوسط جماعة فرووا عمن دونهم مع تغطيتهم بنوع من التدليس ، بحيث لا يميزهم إلا الحاذق .

التالي السابق


الخدمات العلمية