( 713 ) وأخلص النية في طلبكا وجد وابدأ بعوالي مصركا ( 714 ) وما يهم ثم شد الرحلا
لغيره ولا تساهل حملا ( 715 ) واعمل بما تسمع في الفضائل
والشيخ بجله ولا تثاقل ( 716 ) عليه تطويلا بحيث يضجر
ولا تكن يمنعك التكبر ( 717 ) أو الحيا عن طلب واجتنب
كتم السماع فهو لؤم واكتب ( 718 ) ما تستفيد عاليا ونازلا
لا كثرة الشيوخ صيتا عاطلا ( 719 ) ومن يقل إذا كتبت قمش
ثم إذا رويته ففتش ( 720 ) فليس من ذا والكتاب تمم
سماعه لا تنتخبه تندم ( 721 ) وإن يضق حال عن استيعابه
لعارف أجاد في انتخابه ( 722 ) أو قصر استعان ذا حفظ فقد
كان من الحفاظ من له يعد ( 723 ) وعلموا في الأصل إما خطا
أو همزتين أو بصاد أو طا ( 724 ) ولا تكن مقتصرا أن تسمعا
وكتبه من دون فهم نفعا
( ) سوى ما تقدم : ( وأخلص ) أيها الطالب ( النية ) لله عز وجل ( في طلبكا ) للحديث ، فالنفع به وبغيره من العلوم الشرعية يتوقف على آداب طالب الحديث ، والضرب صفحا عما عدا ذلك من الأغراض والأعراض ; لتسلم من غوائل الأمراض ، ودسائس الأعواض كما سلف في الباب قبله مع كثير مما سيأتي هنا . الإخلاص به لله تعالى
وحيث كان كذلك تزداد [ ص: 273 ] علما وشرفا في الدارين ، واتق المفاخرة فيه ، والمباهاة به ، وأن يكون قصدك من طلبك نيل الرياسة والوظائف ، واتخاذ الأتباع ، وعقد المجالس .
قال : من تعلم علما يريد به وجه الله والدار الآخرة آتاه الله تعالى من العلم ما يحتاج إليه . وقال إبراهيم النخعي : من طلب هذا العلم لله شرف وسعد في الدنيا والآخرة ، ومن لم يطلبه لله خسر الدنيا والآخرة . إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ) . وقيل من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة - أي : ريحها - يوم القيامة : من الغوغاء ؟ قال : الذين يكتبون الحديث يتأكلون به الناس . وعن لابن المبارك قال : من طلب الحديث لغير الله مكر به . ونحوه قول حماد بن سلمة أبي عاصم : من استخف بالحديث استخف به الحديث . وفسره ابن منده بطلبه للحجة على الخصم ، لا للإيمان به ، والعمل بمضمونه .
وقال : أخشى أن من طلب العلم بغير نية أن لا ينتفع به . وقال [ ص: 274 ] الشافعي : إنما يحسن طلب العلم وأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم ممن يطلب المخبر به ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، فأما من طلبه ليزين به نفسه عند الخلق ; فإنه يزداد به بعدا عن الله ورسوله . أبو يزيد البسطامي
وسأل أبو عمرو إسماعيل بن نجيد ، وكان من عباد الله الصالحين : بأي نية أكتب الحديث ؟ قال : ألستم ترون أن عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة ؟ . أبا عمرو بن حمدان
قال : نعم ، .
قال : فرسول الله صلى الله عليه وسلم رأس الصالحين .
فإذا حضرتك نية صحيحة في الاشتغال بهذا الشأن ، وعزمت على سماع الحديث وكتابته ، ولا تحديد لذلك بسن مخصوص ، بل المعتمد الفهم كما تقدم في ( متى يصح تحمل الحديث ؟ ) فينبغي أن تقدم المسألة لله تعالى أن يوفقك فيه ، ويعينك عليه ، كما قال الخطيب ، ثم بادر إلى السماع ، ( وجد ) بكسر أوله ، في الطلب ، واحرص عليه بدون توقف ولا تأخير ، فمن جد وجد ، والعلم كما قال : لا يستطاع براحة الجسم . يحيى بن أبي كثير
قال صلى الله عليه وسلم : ( ) ، وقال أيضا : ( احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز ) . [ ص: 275 ] ومن أبلغ ما يحكى عن السلف في ذلك قول التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة : كنا عند سلمة بن شبيب فازدحم الناس عليه ، فوقع صبي تحت أقدام الرجال ، فقال يزيد : اتقوا الله ، وانظروا ما حال الصبي ، فنظروا فإذا هو قد خرجت حدقتاه وهو يقول : يا يزيد بن هارون أبا خالد ، زدنا ، فقال يزيد : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قد نزل بهذا الغلام ما نزل وهو يطلب الزيادة .
وامتهن نفسك بالتقنع وخشونة العيش والتواضع ; فقد قال رحمه الله : لا يطلب هذا العلم أحد بالتملك وعز النفس فيفلح ، ولكن من طلبه بذلة النفس وضيق العيش وخدمة العلماء والتواضع أفلح . الشافعي