الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( وإذا مات المولى عتقت من جميع المال ) لحديث سعيد بن المسيب { أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بعتق أمهات الأولاد وأن لا يبعن في دين ولا يجعلن من الثلث }ولأن الحاجة إلى الولد أصلية فتقدم على حق الورثة والدين كالتكفين بخلاف التدبير ; لأنه وصية بما هو من زوائد الحوائج ( ولا سعاية عليها في دين المولى للغرماء ) لما روينا ، ولأنها ليست بمال متقوم حتى لا تضمن بالغصب عند أبي حنيفة رحمه الله فلا يتعلق بها حق الغرماء كالقصاص بخلاف المدبر ; لأنه مال متقوم

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثاني :

                                                                                                        حديث سعيد بن المسيب { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بعتق أمهات الأولاد ، وأن لا يبعن في دين ، ولا يجعلن من الثلث }قلت : غريب ، وفي الباب أحاديث : منها ما أخرجه الدارقطني عن يونس بن محمد عن عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع أمهات الأولاد ; وقال : لا يبعن ، ولا يوهبن ، ولا يورثن ، يستمتع بها سيدها ما دام حيا ، فإذا مات فهي حرة ، }انتهى .

                                                                                                        ثم أخرجه عن عبد الله بن مطيع ثنا عبد الله بن جعفر ثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، إلى آخره ، وهذا أعله ابن عدي بعبد الله بن جعفر بن نجيح المديني .

                                                                                                        وأسند تضعيفه عن النسائي ، والسعدي ، والفلاس وابن معين ، ولينه هو .

                                                                                                        وقال : عامة [ ص: 43 ] ما يرويه لا يتابع عليه ، ومع ضعفه يكتب حديثه ، ثم أخرجه عن أحمد بن عبيد الله العنبري ثنا معتمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر موقوفا عليه .

                                                                                                        وأخرجه أيضا عن فليح بن سليمان عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر عن عمر موقوفا عليه ; قال ابن القطان : هذا حديث يرويه عبد العزيز بن مسلم القسملي ، وهو ثقة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ، واختلف فيه ، فقال عنه : يونس بن محمد ، وهو ثقة ، وهو الذي [ ص: 44 ] رفعه ; وقال عنه يحيى بن إسحاق ، وفليح بن سليمان عن عمر لم يتجاوزوه ، وكلهم ثقات ، وهذا كله عند الدارقطني ; وعندي أن الذي أسنده خير ممن وقفه ، انتهى .

                                                                                                        وقال الحازمي في " كتابه ، في ذكر الترجيحات " الوجه الخامس والعشرون : أن يكون أحد الحديثين منسوبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم نصا وقولا ، والآخر ينسب إليه استدلالا واجتهادا ، فيكون الأول مرجحا ، نحو حديث ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع أمهات الأولاد ، وقال : لا يبعن إلى آخره } ، فهذا أولى بالعمل به من حديث أبي سعيد الخدري : { كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، لأن حديث ابن عمر : قوله عليه السلام ، ولا خلاف أنه حجة ، وحديث أبي سعيد ليس فيه تنصيص منه عليه السلام فيحتمل أن من كان يرى هذا لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم خلافه ، وكان ذلك اجتهادا منه ، فكان تقديم ما نسب إلى [ ص: 45 ] النبي صلى الله عليه وسلم نصا أولى ، ونظيره حديث أبي رافع في المزارعة : كنا نخابر ، وكنا نكري الأرض ، إذا لم يكن فعلهم ذلك مسندا إلى إذنه عليه السلام انتهى . وحديث أبي سعيد الذي أشار إليه أخرجه النسائي عن زيد العمي عن أبي الصديق عن أبي سعيد في أمهات الأولاد ، قال : كنا نبيعهن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النسائي : زيد العمي ليس بالقوي انتهى .

                                                                                                        ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وصححه ; ورواه العقيلي ، وأعله بزيد العمي ، ثم قال : وغير زيد يرويه بإسناد جيد انتهى .

                                                                                                        وهذا الذي أشار إليه أخرجه أبو داود ، والنسائي عن جابر ، قال أبو داود : حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد عن قيس عن عطاء عن جابر بن عبد الله ، قال : بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، فلما كان عمر نهانا فانتهينا ، قال الحاكم : على شرط مسلم ; وقال النسائي : أخبرنا عمرو بن علي ثنا أبو عاصم ثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر ، قال : { كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكر ذلك علينا }انتهى .

                                                                                                        قال ابن الجوزي في " التحقيق " : ومن الجائز أن يكون هذا خفي على أبي سعيد ، وغيره من الصحابة ، أو يكون النهي ورد بعد ذلك انتهى .

                                                                                                        وذكر عبد الحق في " أحكامه " حديث ابن عمر ، هذا ، ثم قال : يروى من قول ابن عمر ، ولا يصح مسندا ; وتعقبه ابن القطان في " كتابه " ، وقال : إنما يروى من قول عمر ، رواه مالك في " الموطإ " من رواية يحيى بن بكير عنه عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب ، قال : أيما وليدة ولدت من سيدها ، فإنه لا يبيعها ، ولا يهبها ، ولا يورثها ، وهو يستمتع منها ، فإذا مات فهي حرة ، انتهى .

                                                                                                        ومن طريق مالك رواه البيهقي ، ثم قال : وكذلك رواه عبد الله بن عمر ، وغيره عن نافع ، وكذلك رواه سفيان الثوري ، وسليمان بن بلال ، وغيرهما عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر ، وغلط فيه بعض الرواة عن عبد الله بن دينار فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : وهو وهم لا يحل روايته انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه الدارقطني في " سننه " عن عبد الرحمن الأفريقي عن مسلم [ ص: 46 ] بن يسار عن سعيد بن المسيب { أن عمر أعتق أمهات الأولاد ، وقال : أعتقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم }انتهى .

                                                                                                        والأفريقي غير محتج به ، قال ابن القطان : وسعيد عن عمر منقطع ، ونقل عبد الحق في " أحكامه في باب الأيمان والنذور " عن ابن أبي حاتم أنه قال : قال أحمد بن حنبل : سعيد بن المسيب عن عمر عندنا حجة ، فإنه رآه ، وسمع منه انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        موقوف ، رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني ، قال : سمعت عليا يقول : اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن ، ثم رأيت بعد أن يبعن ، قال عبيدة : فقلت له : فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة ، قال : فضحك علي ، انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية