الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 242 ] ( ولا ينبغي أن يباع السلاح من أهل الحرب ، ولا يجهز إليهم ) لأن { النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع السلاح من أهل الحرب وحمله إليهم }ولأن فيه تقويتهم على قتال المسلمين فيمنع من ذلك ، وكذا الكراع لما بينا ، وكذا الحديد ; لأنه أصل السلاح ، وكذا بعد الموادعة لأنها على شرف النقض أو الانقضاء فكانوا حربا علينا ، وهذا هو القياس في الطعام والثوب إلا أنا عرفناه بالنص فإنه عليه الصلاة والسلام أمر ثمامة أن يمير أهل مكة وهم حرب عليه .

                                                                                                        [ ص: 242 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 242 ] الحديث الرابع : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلاح من أهل الحرب } ، ثم أعاده المصنف ، وزاد : وحمله إليهم قلت : غريب بهذا اللفظ وروى البيهقي في " سننه " ، والبزار في " مسنده " ، والطبراني في " معجمه " من حديث بحر بن كنيز السقاء عن عبد الله بن اللقيطي عن أبي رجاء عن عمران بن حصين { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلاح في الفتنة }انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي : رفعه وهم ، والصواب موقوف ، وقال ، البزار : لا نعلم أحدا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عمران بن حصين ، وعبد الله اللقيطي ليس بالمعروف ، وبحر بن كنيز لم يكن بالقوي وقد روى سالم بن رزين عن أبي رجاء عن عمران موقوفا ، انتهى .

                                                                                                        وأخرجه ابن عدي في " الكامل " ، والعقيلي في " كتابه " عن محمد بن مصعب القرقساني ثنا أبو الأشهب عن أبي رجاء به مرفوعا ، نحوه سواء ، قال العقيلي : قال ابن معين : محمد بن مصعب ليس بشيء ، ولينه ابن عدي وقال : وهو عندي لا بأس برواياته ، ونقل عن أحمد بن حنبل نحو ذلك وقال عبد الحق في " أحكامه " : محمد بن مصعب فيه غفلة ، وليس بقوي وقال أبو زرعة : هو صدوق ، ولكنه حدث بأحاديث منكرة انتهى كلامه .

                                                                                                        وقال ابن حبان في " صحيحه " : قد يفهم من حديث خباب بن الأرت { كنت قينا بمكة ، فعملت للعاص بن وائل سيفا ، فجئت أتقاضاه } ، الحديث ، إباحة بيع السلاح لأهل الحرب ، وهو فهم ضعيف ، لأن هذه القصة كانت قبل فرض الجهاد ، وفرض الجهاد ، والأمر بقتال المشركين إنما كان بعد إخراج أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى .

                                                                                                        الحديث الخامس : روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ثمامة أن يمير أهل مكة ، وهم حرب عليه }قلت : رواه البيهقي في " دلائل النبوة في آخر باب حديث الإفك " من طريق ابن إسحاق حدثني سعيد المقبري عن أبي هريرة ، فذكر قصة إسلام ثمامة بلفظ [ ص: 243 ] " الصحيحين " .

                                                                                                        وفي آخره : فقال : { إني والله ما صبوت ، ولكني أسلمت ، وصدقت محمدا ، وآمنت به ، وأيم الذي نفس ثمامة بيده لا يأتيكم حبة من اليمامة وكانت ريف مكة ما بقيت حتى يأذن فيها محمد صلى الله عليه وسلم وانصرف إلى بلده ، ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش ، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلي إليهم حمل الطعام ، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، مختصر ، وذكره ابن هشام في " أواخر السيرة " فقال : وحدثت أنه { قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم : والله يا محمد لقد كان وجهك أبغض الوجوه إلي ، فلقد أصبح اليوم أحب الوجوه إلي ، وقال في الدين والبلد مثل ذلك ، ثم خرج ثمامة معتمرا حتى دخل مكة ، فقالوا له : صبأت يا ثمامة ؟ قال : لا ولكني اتبعت خير الدين ، دين محمد ، والله لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إلى اليمامة ، فمنع أهلها أن يحملوا إلى مكة شيئا ، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك تأمر بصلة الرحم ، وإنك قد قطعت أرحامنا ، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلي بينهم وبين الحمل }انتهى .

                                                                                                        ورواه الواقدي في " كتاب الردة " فقال : حدثني معاذ بن محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة ، قال : { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي بالبحرين ، لليال بقين من رجب ، سنة تسع ، منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك ، وكتب إليه كتابا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى المنذر بن ساوى ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : فإني أدعوك إلى الإسلام ، فأسلم تسلم ، وأسلم يجعل الله لك ما تحت يديك ، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر ، وختم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب ، ودفعه إليه ، فخرج العلاء في نفر منهم أبو هريرة ، حتى قدم على المنذر بن ساوى ، فدفع إليه الكتاب ، فقرأه ، فقال : أشهد أن ما دعا إليه حق ، وأنه لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأكرم منزله ، ثم رجع العلاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما رأى من المنذر ، وسرعة إسلامه ، ثم قال : يا رسول الله مررت بثمامة بن أثال الحنفي ، فقال : أنت رسول محمد ؟ فقلت : نعم ، فقال : والله لا تصل إلى محمد أبدا ، وأراد قتلي ، فمنعه عمه عامر بن سلمة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم اهد عامرا ، وأمكني من ثمامة ، فأسلم عامر ، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يأمر كل من خرج إلى وجه ، إن ظفرت بثمامة بن أثال فخذه ، فخرج محمد بن مسلمة في بعث من البعوث ، وقد أوصاه النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببطن نخل [ ص: 244 ] إذا هم بقوم يصطنعون طعاما ، وفيهم ثمامة بن أثال ، فأخذه محمد بن مسلمة ، فأوثقه في جامعة ، وبعث به مع أبي نائلة ، وأربعة نفر معه ، فلما أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمر به فربط إلى سارية من سواري المسجد وأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاثة أيام ، فذهب إلى حائط أبي طلحة فاغتسل ، ولبس ثوبين جديدين ، ثم جاء فوقف على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، والله لقد كنت وما وجه إلي أبغض من وجهك ، ولا دين أبغض إلي من دينك ، ولا بلد أبغض إلي من بلدك ، فلقد أصبحت وما وجه أحب إلي من وجهك ، ولا دين أحب إلي من دينك ، ولا بلد أحب إلي من بلدك ، وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، ثم خرج إلى مكة معتمرا ، فقالت له قريش : والله يا ثمامة ما كنا نظن لو أن حنيفة بأسرها تبعت محمدا أن تتبعه أنت ، فقال : والله يا معشر قريش أقسم بالله لا يأتيكم من اليمامة بر ، ولا تمر حتى تسلموا ، أو يأذن فيه محمد صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى اليمامة ، فحبس عن قريش الميرة ، حتى جهدوا ، فقدم أبو سفيان بن حرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ركب من قريش ، فسأله بالرحم إلا أرسلت إلى ثمامة أن يخلي الحمل إلينا ، فإنا قد هلكنا جوعا ، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكتب معه كتابا إلى ثمامة أن خل بين قريش وبين الميرة ، فلما جاءه الكتاب قال : سمعا وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم } ، مختصر .

                                                                                                        وحديث ثمامة في " الصحيحين " ليس فيه { أمر النبي صلى الله عليه وسلم لثمامة أن يرد الميرة على أهل مكة } ، أخرجاه عن الليث بن سعد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ، قال : { بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد . فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له : ثمامة بن أثال }

                                                                                                        ، الحديث .

                                                                                                        ذكره البخاري في " المغازي في باب وفد بني حنيفة " ، ومسلم في " باب ترك الأسارى والمن عليهم " بقية الحديث ، { يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة ، فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : ماذا عندك يا ثمامة ؟ قال : خير يا محمد ، إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال ، فسل تعط ما شئت ، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان الغد ، فقال له مثل ذلك ، وقال له في اليوم الثالث مثله ، ثم أمر به فأطلق ، فذهب ثمامة إلى نخل قريب من المسجد ، فاغتسل ، ثم دخل المسجد ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي ، ولا كان دين أبغض إلي من دينك ، فقد أصبح دينك أحب الدين كله إلي ، ولا كان بلد أبغض إلي من بلدك ، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي ، وإن خيلك أخذتني ، [ ص: 245 ] وأنا أريد العمرة ، فماذا ترى ؟ فأمره عليه السلام أن يعتمر ، فلما قدم مكة قيل له : أصبوت ؟ فقال : لا ، ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم }انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية