الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        فصل

                                                                                                        ( ولا يجوز إحداث بيعة ولا كنيسة في دار الإسلام ) لقوله عليه الصلاة والسلام : { لا خصاء في الإسلام ولا كنيسة }والمراد إحداثها ( وإن انهدمت البيع والكنائس القديمة أعادوها ) لأن الأبنية لا تبقى دائما ، ولما أقرهم الإمام فقد عهد إليهم الإعادة إلا أنهم لا يمكنون من نقلها لأنه إحداث في الحقيقة ، والصومعة للتخلي فيها بمنزلة البيعة بخلاف موضع الصلاة في البيت لأنه تبع [ ص: 340 ] للسكنى ، وهذا في الأمصار دون القرى لأن الأمصار هي التي تقام فيها الشعائر ، فلا تعارض بإظهار ما تخالفها ، وقيل : في ديارنا يمنعون من ذلك في القرى أيضا لأن فيها بعض الشعائر ، والمروي عن صاحب المذهب في قرى الكوفة ، لأن أكثر أهلها أهل الذمة . وفي أرض العرب يمنعون من ذلك في أمصارها وقراها لقوله عليه الصلاة والسلام : { لا يجتمع دينان في جزيرة العرب }.

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        فصل :

                                                                                                        الحديث السادس : قال عليه السلام : { لا خصاء في الإسلام ، ولا كنيسة }; قلت : أخرجه البيهقي في " سننه " عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا خصاء في الإسلام ، ولا بنيان كنيسة } ، وضعفه ; وروى أبو عبيد القاسم بن سلام حدثنا عبد الله بن صالح [ ص: 340 ] ثنا الليث بن سعد حدثني توبة بن النمر الحضرمي قاضي مصر عمن أخبره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا خصاء في الإسلام ، ولا كنيسة }انتهى . وحدثني أبو الأسود عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير قال : قال عمر بن الخطاب : لا كنيسة في الإسلام ، ولا خصاء انتهى .

                                                                                                        وروى ابن عدي في " الكامل " حدثنا الحسين بن سفيان ثنا محمد بن جامع ثنا سعيد بن عبد الجبار عن أبي المهدي سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن عمر بن الخطاب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تبنى كنيسة في الإسلام ، ولا يبنى ما خرب منها } ، انتهى .

                                                                                                        ومن جهة ابن عدي ، ذكره عبد الحق في " أحكامه " ، وأعله تبعا لابن عدي بسعيد بن سنان ، قال ابن عدي : عامة ما يرويه غير محفوظ ، وأسند تضعيفه عن أحمد ، وابن معين ، قال ابن القطان في " كتابه " : وفيه من الضعفاء غير سعيد محمد بن جامع أبو عبد الله العطار قال أبو زرعة : ليس بصدوق ، وامتنع أبو حاتم من الرواية عنه ، وسعيد بن عبد الجبار أيضا ضعيف ، بل متروك ; حكى البخاري أن جرير بن عبد الحميد كان يكذبه ، فلعل العلة فيه غير سعيد بن سنان ، والله أعلم انتهى كلامه . قال عبد الحق : وأبو المهدي كان رجلا صالحا ، لكن حديثه ضعيف لا يحتج به انتهى .

                                                                                                        الحديث السابع : قال عليه السلام : { لا يجتمع دينان في جزيرة العرب }; قلت : رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا النضر بن شميل ثنا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي [ ص: 341 ] توفي فيه : لا يجتمع دينان في جزيرة العرب } ، وفيه قصة ; ورواه عبد الرزاق في مصنفه في كتاب أهل الكتاب " أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يجتمع بأرض العرب أو قال : بأرض الحجاز دينان ; ورواه في الزكاة ، وزاد فيه : فقال عمر لليهود : من كان منكم عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت به ، وإلا فإني مجليكم ، قال : فأجلاهم عمر ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في مرض موته }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن هشام في " السيرة " عن ابن إسحاق حدثني صالح بن كيسان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة ، قالت : { كان آخر ما عهد به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يترك بجزيرة العرب دينان }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني في " علله " : وهذا حديث صحيح انتهى .

                                                                                                        ورواه مالك في " الموطإ " قال أبو مصعب : [ ص: 342 ] أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن رسول الله قال : { لا يجتمع دينان في جزيرة العرب قال مالك : قال ابن شهاب : ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب حتى أتاه اليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يجتمع دينان في جزيرة العرب ، فأجلى يهود خيبر ، وأجلى يهود نجران ، وفدك }انتهى . أخبرنا مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول : { كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال : قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، لا يبقين دينان بأرض العرب }انتهى .

                                                                                                        ذكره في أواخر الكتاب ، وأسند أبو داود عن سعيد بن عبد العزيز ، قال : جزيرة العرب ما بين الوادي إلى أقصى اليمن ، إلى تخوم العراق ، إلى البحر ، انتهى ، وقال المنذري في " مختصره " : قال مالك : جزيرة العرب المدينة نفسها ، وروي عنه أنها الحجاز ، واليمن واليمامة ، وما لم يبلغه ملك فارس ، والروم ، وحكى البخاري عن المغيرة ، قال : هي مكة ، والمدينة : وقال الأصمعي : هي من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول ، وأما العرض ، فمن جدة ، وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام ، وسميت الجزيرة جزيرة لانحسار الماء عن موضعها ، والجزر هو القطع ، لأنها جزرت عنها المياه التي حواليها ، كبحر البصرة ، وعمان ، وعدن ، والفرات ، وقيل : لأن حواليها بحر الحبش ، وبحر فارس ، ودجلة ، والفرات ; وقال الأزهري : سميت جزيرة لأن بحر فارس ، وبحر السواد أحاط بجانبيها يعني الجنوبي وأحاط بالجانب الشمالي دجلة ، والفرات ، انتهى .

                                                                                                        [ ص: 343 ] وحديث : { أخرجوا المشركين من جزيرة العرب } ، أخرجه البخاري في " الجزية " ، ومسلم في " آخر الوصايا " كلاهما عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : { لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه ، قال : ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي ، فتنازعوا ، وقالوا : ما شأنه أهجر ؟ استفهموه ، فقال : دعوني أوصيكم بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، قال : وسكت عن الثالثة }انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية