باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها 
قال : ( وإذا شهد الشهود بحد متقادم  لم يمنعهم عن إقامته بعدهم عن الإمام لم تقبل شهادتهم إلا في حد القذف خاصة وفي الجامع الصغير : وإذا شهد عليه الشهود بسرقة أو بشرب خمر أو بزنا بعد حين لم يؤخذ به وضمن السرقة ) والأصل فيه أن الحدود الخالصة حقا لله تعالى تبطل بالتقادم خلافا  للشافعي  رحمه الله . 
هو يعتبرها بحقوق العباد وبالإقرار الذي هو إحدى الحجتين . 
ولنا أن الشاهد مخير بين حسبتين : أداء الشهادة والستر ، فالتأخير إن كان لاختيار الستر فالإقدام على الأداء بعد ذلك لضغينة هيجته أو لعداوة حركته فيتهم فيها ، وإن كان التأخير لا للستر يصير فاسقا آثما فتيقنا بالمانع ، بخلاف الإقرار ; لأن الإنسان لا يعادي نفسه فحد الزنا وشرب الخمر والسرقة خالص حق  [ ص: 149 ] الله تعالى حتى يصح الرجوع عنها بعد الإقرار فيكون التقادم فيه مانعا ، وحد القذف فيه حق العبد لما فيه من دفع العار عنه ، ولهذا لا يصح رجوعه بعد الإقرار ، والتقادم غير مانع في حقوق العباد ، ولأن الدعوى فيه شرط فيحمل تأخيرهم على انعدام الدعوى ، فلا يوجب تفسيقهم بخلاف حد السرقة ، لأن الدعوى ليست بشرط للحد لأنه خالص حق الله تعالى على ما مر ، وإنما شرطت للمال ولأن الحكم يدار على كون الحد حقا لله تعالى فلا يعتبر وجود التهمة في كل فرد ، ولأن السرقة تقام على الاستسرار على غرة من المالك ، فيجب على الشاهد إعلامه ، وبالكتمان يصير فاسقا آثما ، ثم التقادم كما يمنع قبول الشهادة في الابتداء يمنع الإقامة بعد القضاء عندنا خلافا  لزفر  رحمه الله  ، حتى لو هرب بعدما ضرب بعض الحد ، ثم أخذ بعدما تقادم الزمان لا يقام عليه الحد ، لأن الإمضاء من القضاء في باب الحدود . 
واختلفوا في حد التقادم وأشار في الجامع الصغير إلى ستة أشهر فإنه قال بعد حين ، وهكذا أشار  الطحاوي  ،  وأبو حنيفة  رحمه الله لم يقدر على ذلك وفوضه إلى رأي القاضي في كل عصر . 
وعن  محمد  رحمه الله أنه قدره بشهر ، لأن ما دونه عاجل وهو رواية عن  أبي حنيفة   وأبي يوسف  رحمهما الله ، وهو الأصح ، وهذا إذا لم يكن بين القاضي وبينهم مسيرة شهر ، أما إذا كان تقبل شهادتهم لأن المانع بعدهم عن الإمام فلا تتحقق التهمة ، والتقادم في حد الشرب كذلك عند  محمد  رحمه الله  ، وعندهما   يقدر بزوال الرائحة على ما  [ ص: 150 ] يأتي في بابه إن شاء الله تعالى . 
     	
		 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					