فصل : فإن
nindex.php?page=treesubj&link=33376خالف الحاكم في لعانهما ما وصفنا ، اشتمل خلافه على أربعة أقسام :
أحدها : أن يخالف في لفظ الشهادة ، فيأمرهما بدلا من أشهد بالله ، أن يقولا : أقسم بالله أو أحلف بالله ، أو أولي بالله ، ففي جوازه وجهان :
أحدهما : لا يجزئ لأمرين :
أحدهما : مخالفة النص وتغليظ الشهادة .
والثاني : أنه يجزئ لأمرين :
أحدهما : أن اللعان يمين فكان ألفاظ الأيمان به أخص .
والثاني : أن الشهادة كناية واليمين صريح .
والقسم الثاني : أن يخالف بينهما في لفظ اللعن والغضب في الخامسة ، وهو على ضربين :
أحدهما : أن يعدل عن لفظهما إلى غيرهما ، فيقول بدلا من اللعنة في الزوج الإبعاد ، ومن الغضب في الزوجة السخط ، فلا يجزيه لأمرين :
أحدهما : لتغيير النص .
والثاني : لأنه قد صار بالنص صريحا فصار ما سواه كفاية وإن وافق معناه .
والضرب الثاني : أن ينقل كل واحد منهما من جهته إلى الجهة الأخرى ، فينظر فيه ، فإن نقل اللعن من الزوج إلى الزوجة حتى قالت : وعلي لعنة الله بدلا من قولها : علي غضب الله لم يجز ؛ لأن الغضب أغلظ من اللعن ؛ لأن الغضب انتقام ، واللعن
[ ص: 61 ] إبعاد ، وكل منتقم منه مبعد ، وليس كل مبعد منتقما منه ، فصار الغضب أغلظ ، ولذلك غلظ به لعان الزوجة لأن الزنا منها أقبح والمعرة منها أفضح .
وإن نقل الغضب إلى الزوج حتى قال : وعلي غضب الله ، بدلا من قوله : وعلي لعنة الله ، ففي إجزائه وجهان :
أحدهما : لا يجزئ لمخالفة النص .
والثاني : يجزئ ؛ لأنه أغلظ من النص مع دخوله فيه .
والقسم الثالث : أن يخالف بينهما في ترتيب اللفظ فيجعل ما في الخامسة من اللعن والغضب قبل الشهادات أو في تضاعيفها ، ففي جوازه وجهان :
أحدهما : لا يجزئه لمخالفة الترتيب فيه .
والثاني : يجزئه لوجود التغليظ .
والقسم الرابع : أن يخالف بينهما في العدد ، فإن كان خلافه في الزيادة فزاد على الشهادات الأربع خامسة ، أو على اللعنة والغضب في الخامسة سادسة ، فقد أساء وأجزأ ، وإن كان خلافه في النقصان فترك بعض الشهادات الأربع ، أو ترك الخامسة في اللعن والغضب لم يجز ، ولم يتعلق بما اقتصر عليه شيء من أحكام اللعان ، سواء ترك أكثره أو أقله ، وينقض حكمه فيه .
وقال
أبو حنيفة : إن ترك أقله أجزأه وإن أساء ، ولا وينقض حكمه استدلالا بأمرين :
أحدهما : أن اللعان مما اختلف في وقوع الفرقة به ،
nindex.php?page=treesubj&link=22239وما استقر فيه الخلاف ساغ فيه الاجتهاد ، والحكم إذا نفذ باجتهاد مسوغ لم ينقض .
والثاني : أن إدراك معظم الشيء يقوم مقام إدراك جميعه ، كمن أدرك الإمام راكعا كان في الاعتداد بالركعة كالمدرك له محرما ، كذلك أكثر اللعان يجوز أن يقوم مقام جميعه ودليلنا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=8ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين [ النور : 8 ، 9 ] فعلق الحكم فيه بخمس ، فلم يجز أن يعلق بأقل منها ؛ لأنه يصير نسخا ولا يجوز أن ينسخ القرآن بالاجتهاد ، ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=924227لاعن بين العجلاني وامرأته وبين هلال بن أمية وامرأته بخمس ثم فرق ، والحكم إذا علق بسبب اقتضى أن يكون محمولا على سببه ، ولأن الاقتصار من اللعان على بعضه يمنع من ثبوت حكمه كالاقتصار على أقله ، ولأن الحكم إذا تعلق بعدد لم يتعلق ببعضه كأعداد الركعات فكذلك أعداد اللعان ، ولأن ما شرع عدده في درء الحد لم يجز الاقتصار منه على بعضه كالشهادة ؛ ولأن اللعان إما أن
[ ص: 62 ] يكون يمينا ، فلا يجوز أن يقتصر على بعض ما شرع فيها من العدد كالقسامة ، أو يكون شهادة فلا يجوز الاقتصار على بعض عددها كسائر الشهادات .
فأما الجواب عما ذكروه من أن حصول الاختلاف مسوغ للاجتهاد ، فهو أن الإجماع منعقد على الخمس ، وإنما الاختلاف في وقوع الفرقة بها أو بما بعدها وما انعقد الإجماع عليه لم يسغ الاجتهاد فيه .
وأما الجواب عن أن إدراك معظم الشيء يقوم مقام إدراك جميعه فهو أنه فاسد بإدراك ثلاث ركعات من أربع لا يقوم مقام إدراك الأربع ؛ إنما أدرك الإمام الركعة الأولى بإدراك أكثرها ؛ لأنه تحمل عنه ما فاته منها وقام مقامه فيها ، ولذلك لو انفرد بها من غير إمام لم يدركها ، والله أعلم .
فَصْلٌ : فَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=33376خَالَفَ الْحَاكِمُ فِي لِعَانِهِمَا مَا وَصَفْنَا ، اشْتَمَلَ خِلَافُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ يُخَالِفَ فِي لَفْظِ الشَّهَادَةِ ، فَيَأْمُرَهُمَا بَدَلًا مِنْ أَشْهَدُ بِاللَّهِ ، أَنْ يَقُولَا : أُقْسِمُ بِاللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ بِاللَّهِ ، أَوْ أُولِي بِاللَّهِ ، فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : لَا يُجْزِئُ لِأَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : مُخَالَفَةُ النَّصِّ وَتَغْلِيظُ الشَّهَادَةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ يُجْزِئُ لِأَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ فَكَانَ أَلْفَاظُ الْأَيْمَانِ بِهِ أَخَصَّ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الشَّهَادَةَ كِنَايَةٌ وَالْيَمِينَ صَرِيحٌ .
وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَهُمَا فِي لَفْظِ اللَّعْنِ وَالْغَضَبِ فِي الْخَامِسَةِ ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَعْدِلَ عَنْ لَفْظِهِمَا إِلَى غَيْرِهِمَا ، فَيَقُولُ بَدَلًا مِنَ اللَّعْنَةِ فِي الزَّوْجِ الْإِبْعَادَ ، وَمِنَ الْغَضَبِ فِي الزَّوْجَةِ السَّخَطَ ، فَلَا يُجْزِيهِ لِأَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : لِتَغْيِيرِ النَّصِّ .
وَالثَّانِي : لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِالنَّصِّ صَرِيحًا فَصَارَ مَا سِوَاهُ كِفَايَةً وَإِنْ وَافَقَ مَعْنَاهُ .
وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَنْقُلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ جِهَتِهِ إِلَى الْجِهَةِ الْأُخْرَى ، فَيَنْظُرَ فِيهِ ، فَإِنْ نَقَلَ اللَّعْنَ مِنَ الزَّوْجِ إِلَى الزَّوْجَةِ حَتَّى قَالَتْ : وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهَا : عَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْغَضَبَ أَغْلَظُ مِنَ اللَّعْنِ ؛ لِأَنَّ الْغَضَبَ انْتِقَامٌ ، وَاللَّعْنَ
[ ص: 61 ] إِبْعَادٌ ، وَكُلُّ مُنْتَقَمٍ مِنْهُ مُبْعَدٌ ، وَلَيْسَ كُلُّ مُبْعَدٍ مُنْتَقَمًا مِنْهُ ، فَصَارَ الْغَضَبُ أَغْلَظَ ، وَلِذَلِكَ غَلُظَ بِهِ لِعَانُ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الزِّنَا مِنْهَا أَقْبَحُ وَالْمَعَرَّةَ مِنْهَا أَفْضَحُ .
وَإِنْ نَقَلَ الْغَضَبَ إِلَى الزَّوْجِ حَتَّى قَالَ : وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ ، بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ : وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ ، فَفِي إِجْزَائِهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : لَا يُجْزِئُ لِمُخَالَفَةِ النَّصِّ .
وَالثَّانِي : يُجْزِئُ ؛ لِأَنَّهُ أَغْلَظُ مِنَ النَّصِّ مَعَ دُخُولِهِ فِيهِ .
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَهُمَا فِي تَرْتِيبِ اللَّفْظِ فَيَجْعَلَ مَا فِي الْخَامِسَةِ مِنَ اللَّعْنِ وَالْغَضَبِ قَبْلَ الشَّهَادَاتِ أَوْ فِي تَضَاعِيفِهَا ، فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : لَا يُجْزِئُهُ لِمُخَالَفَةِ التَّرْتِيبِ فِيهِ .
وَالثَّانِي : يُجْزِئُهُ لِوُجُودِ التَّغْلِيظِ .
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَهُمَا فِي الْعَدَدِ ، فَإِنْ كَانَ خِلَافُهُ فِي الزِّيَادَةِ فَزَادَ عَلَى الشَّهَادَاتِ الْأَرْبَعِ خَامِسَةً ، أَوْ عَلَى اللَّعْنَةِ وَالْغَضَبِ فِي الْخَامِسَةِ سَادِسَةً ، فَقَدْ أَسَاءَ وَأَجْزَأَ ، وَإِنْ كَانَ خِلَافُهُ فِي النُّقْصَانِ فَتَرَكَ بَعْضَ الشَّهَادَاتِ الْأَرْبَعِ ، أَوْ تَرَكَ الْخَامِسَةَ فِي اللَّعْنِ وَالْغَضَبِ لَمْ يَجُزْ ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ اللِّعَانِ ، سَوَاءٌ تَرَكَ أَكْثَرَهُ أَوْ أَقَلَّهُ ، وَيُنْقَضُ حُكْمُهُ فِيهِ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ تَرَكَ أَقَلَّهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَسَاءَ ، وَلَا وَيُنْقَضُ حُكْمُهُ اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ اللِّعَانَ مِمَّا اخْتُلِفَ فِي وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=22239وَمَا اسْتَقَرَّ فِيهِ الْخِلَافُ سَاغَ فِيهِ الِاجْتِهَادُ ، وَالْحُكْمُ إِذَا نَفَذَ بِاجْتِهَادٍ مُسَوَّغٍ لَمْ يُنْقَضْ .
وَالثَّانِي : أَنَّ إِدْرَاكَ مُعْظَمِ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ إِدْرَاكِ جَمِيعِهِ ، كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا كَانَ فِي الِاعْتِدَادِ بِالرَّكْعَةِ كَالْمُدْرِكٍ لَهُ مُحْرِمًا ، كَذَلِكَ أَكْثَرُ اللِّعَانِ يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ جَمِيعِهِ وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=8وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [ النُّورِ : 8 ، 9 ] فَعَلَّقَ الْحُكْمَ فِيهِ بِخَمْسٍ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَلَّقَ بِأَقَلَّ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَسْخًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ الْقُرْآنُ بِالِاجْتِهَادِ ، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=924227لَاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ وَبَيْنَ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَتِهِ بِخَمْسٍ ثُمَّ فَرَّقَ ، وَالْحُكْمُ إِذَا عُلِّقَ بِسَبَبٍ اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى سَبَبِهِ ، وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ مِنَ اللِّعَانِ عَلَى بَعْضِهِ يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِهِ كَالِاقْتِصَارِ عَلَى أَقَلِّهِ ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا تَعَلَّقَ بِعَدَدٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِبَعْضِهِ كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ فَكَذَلِكَ أَعْدَادُ اللِّعَانِ ، وَلِأَنَّ مَا شُرِعَ عَدَدُهُ فِي دَرْءِ الْحَدِّ لَمْ يَجُزِ الِاقْتِصَارُ مِنْهُ عَلَى بَعْضِهِ كَالشَّهَادَةِ ؛ وَلِأَنَّ اللِّعَانَ إِمَّا أَنْ
[ ص: 62 ] يَكُونَ يَمِينًا ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى بَعْضِ مَا شُرِعَ فِيهَا مِنَ الْعَدَدِ كَالْقَسَامَةِ ، أَوْ يَكُونَ شَهَادَةً فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِ عَدَدِهَا كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ حُصُولَ الِاخْتِلَافِ مُسَوِّغٌ لِلِاجْتِهَادِ ، فَهُوَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى الْخَمْسِ ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِهَا أَوْ بِمَا بَعْدَهَا وَمَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ لَمْ يَسُغِ الِاجْتِهَادُ فِيهِ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ أَنَّ إِدْرَاكَ مُعْظَمِ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ إِدْرَاكِ جَمِيعِهِ فَهُوَ أَنَّهُ فَاسِدٌ بِإِدْرَاكِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَرْبَعٍ لَا يَقُومُ مَقَامَ إِدْرَاكِ الْأَرْبَعِ ؛ إِنَّمَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ الرَّكْعَةَ الْأَوْلَى بِإِدْرَاكِ أَكْثَرِهَا ؛ لِأَنَّهُ تَحَمَّلَ عَنْهُ مَا فَاتَهُ مِنْهَا وَقَامَ مَقَامَهُ فِيهَا ، وَلِذَلِكَ لَوِ انْفَرَدَ بِهَا مِنْ غَيْرِ إِمَامٍ لَمْ يُدْرِكْهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .