الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وأيهما مات قبل يكمل الزوج اللعان ورث صاحبه والولد غير منفي حتى يكمل ذلك كله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا مات أحد الزوجين عند الشروع في اللعان وقبل كماله توارثا ، ونظر فإن كان الميت منهما هي الزوجة فقد بانت بالموت ولا يخلو حالها من أن تكون ذات ولد أو لا ولد لها ، فإن كانت ذات ولد فله أن يلاعن لنفيه [ ص: 78 ] ويبنى على ما مضى من لعانه قبل موتها ، فإن كان الولد قد مات جاز أن يلاعن لنفيه بعد موته ، ولا يرث الولد وإن ورث الزوجة .

                                                                                                                                            والفرق بينهما : أن وقوع الفرقة لا يمنع من صحة الزوجية قبل الفرقة ، ونفي الولد يمنع من نسبته قبل النفي ، فلذلك ورث الزوجة إذا ماتت قبل لعانه ، ولم يرث الولد إذا مات قبل لعانه ، وإن لم يكن للزوجة ولد زال حكم نفيه باللعان وبقي حد القذف وهو عندنا موروث ، فإن طالبه به الورثة كان للزوج أن يلاعن لإسقاطه ولا يمنعه اللعان لإسقاطه ولنفي الولد من ميراثها لوقوع الفرقة بالموت لا باللعان ، فإن قيل : أفليس إذا ورثها ورث حقه من حد قذفها ؛ فهلا سقط عنه الحد كما يسقط عنه بالقصاص إذا ورث بعضه ؟ .

                                                                                                                                            قيل : لأن ميراث القصاص مشترك على الفرائض ، فإذا ورث بعضه سقط عنه لأنه لا يتبعض ، وليس كذلك حد القذف ، لأن كله ميراث لكل واحد من الورثة فكان لكل واحد منهم أن يستوفيه كله ، فإن عفى الوارث عن الحد لم يكن للزوج أن يلاعن ؛ لأن الفراش قد ارتفع بالموت ، والحد قد سقط بالعفو وليس هناك ولد ينفى فلم يبق ما يحتاج فيه إلى اللعان فلذلك سقط ، فأما إن لم يكن لها وارث ففي قيام الإمام في استيفاء الحد لها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : له أن يستوفيه ، لأن الإمام مقام الورثة في المال فقام مقامهم في استيفاء الحد . فعلى هذا يجوز للزوج أن يلاعن لإسقاطه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه ليس للإمام أن يستوفيه وإن استوفى ميراثها لبيت المال ، لأن لبيت المال حقوقا مستفادة تخالف حد القذف ، فعلى هذا لا يجوز للزوج أن يلاعن .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية