الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو قال رجل : هذه أختي من الرضاعة أو قالت : هذا أخي من الرضاعة وكذبته أو كذبها فلا يحل لواحد منها أن ينكح الآخر " . قال الماوردي : وصورتها في رجل وامرأة لا نكاح بينهما فأقر الرجل أنها أخته من الرضاعة أو بنته أو أمه ، أو أقرت المرأة بأنه أخوها من الرضاعة ، أو ابنها أو أبوها ، كان قول كل واحد منهما في التحريم مقبولا عليها إذا كان ممكنا سواء صدقه صاحبه عليه أو كذبه ، وإن لم يمكن واستحال _ مثل أن يتساوى بينهما أو يتقارب فتقول المرأة : هذا أبي من الرضاعة ، أو يقول الرجل : هذه أمي من الرضاعة فيعلم استحالة هذا الإقرار - فيكون مردودا لا يتعلق به التحريم . وقال أبو حنيفة : يقبل الإقرار ويثبت به التحريم مع استحالته التزاما للإقرار ، وتغليبا للحظر وبناء على أصله فيمن قال لعبد له هو أكبر سنا منه : أنت ابني ، عتق عليه مع استحالة بنوته ، وهذا قول مستهجن يدفعه المعقول ، والكلام عليه يأتي بعد . فإذا ثبت ما وصفنا وحكم بتحريم الرضاع بينهما بوجود الإقرار من أحدهما لم يحتج في الإقرار إلى صفة الرضاع وذكر العدد بخلاف الشهادة ؛ لأمرين : أحدهما : أن الشهادة لا تصح إلا عن مشاهدة فاستوفى فيها شروط المشاهدة ، والإقرار لا يفتقر إلى المشاهدة ؛ لأنه لا يشاهد رضاع نفسه من لبن أمه ، وإنما يعمل على الخبر الذي يوثق له فيصدقه . [ ص: 407 ] والثاني : أن في الشهادة التزام حق على غير المشاهد فبني على الاحتياط في نفي الاحتمال ، والإقرار التزام حق على النفس فكان في ترك الاحتياط تقصير عن المقر فالتزم حكم إقراره ، هذا فيما تعلق بصفة الرضاع . فأما العدد فمعتبر بحال الإقرار ؛ فإن قال الرجل : بيني وبينها رضاع افتقر التحريم إلى ذكر العدد ، وإن قال : هي أختي من الرضاع لم يفتقر إلى ذكر العدد إن كان من أهل الاجتهاد ؛ لأن في اعترافه بأخوتها التزاما بحكم التحريم بالعدد المحرم ، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد احتمل وجهين : أحدهما : يلزمه ذكر العدد ويرجع فيه إليه بعد إقراره بجهله بالتحريم المحتمل . والوجه الثاني : لا يلزم ذكر العدد ، ولا يرجع فيه إليه بعد إطلاق الإقرار بالتحريم كما لا يرجع إليه في صفة الطلاق بعد إقراره به كما لو أقر بأنها أخته من النسب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية