الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ومعنى قولهما فرقة بلا طلاق الزوج ( قال ) : وتفريق النبي - صلى الله عليه وسلم - غير فرقة الزوج إنما هو تفريق حكم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قصد الشافعي بهذا الكلام الرد على أهل العراق في مسألتين :

                                                                                                                                            إحداهما : ما ذهب إليه أبو حنيفة بأن تفريق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المتلاعنين كان إيقاعا بحكم ، فلذلك لم يوقع الفرقة بينهما بمجرد اللعان حتى يوقعها الحاكم بينهما ، وقد مضى الكلام فيها معه .

                                                                                                                                            وقلنا : إن حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - كان تنفيذا وإخبارا بوقوع الفرقة .

                                                                                                                                            والمسألة الثانية : بيان حكم الفرقة الواقعة بين المتلاعنين . وهي عند الشافعي فسخ وليست بطلاق ولذلك تعلق بها تحريم التأبيد .

                                                                                                                                            وبه قال أبو يوسف وزفر والحسن بن زياد وهو إحدى الروايتين عن مالك .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة ومحمد : هي فرقة طلاق بائن ، ولذلك لم يتأبد تحريمها عنده ، وأحلها له إن أكذب نفسه .

                                                                                                                                            وفي هذا القول تناقض ، لأن الفرقة لا تقع عنده إلا بالحاكم ، دون الزوج ، والطلاق يملكه الزوج دون الحاكم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق " . فتناقص في قوله ، فإن قيل : فقد فعلتم مثل هذه المناقضة لأنكم جعلتم الفرقة واقعة بالزوج دون الحاكم ، والزوج لا يقع منه إلا الطلاق ، قيل : قد يصح من الزوج الطلاق بغير سبب ، والفسخ إذا كان عن سبب ، كالفسخ بالعيوب ، وهذه الفرقة لسبب فكانت فسخا ولم تكن طلاقا ، فلم يكن في هذا القول تناقض ، لأن الطلاق يقع بما يختص من ألفاظه من صريح وكناية ، وهذه الفرقة لا تقع بصريح الطلاق ولا كنايته ، [ ص: 55 ] ولا يكون اللعان من غير الملتعن صريحا في الطلاق ولا كناية ، ولأن لفرقة الطلاق عددا ليس في فرقة اللعان وحكما يخالف حكم اللعان ، لأنها لا تحل في الطلاق الثلاث إلا بعد زوج آخر وتحل فيما دونه من غير زوج ، وهو يقول في فرقة اللعان : إنها لا تحل له إلا أن يكذب نفسه ، فسلبه حكم كل واحد من الطلاقين واعتبر فيه من التكذيب ما لا يعتبر في واحد من الطلاقين ، فامتنع أن يكون اللعان طلاقا ، كما امتنع أن يكون الطلاق لعانا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية