الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو شهد أحدهما أنه قذفها بالعربية ، والآخر أنه قذفها بالفارسية لم يجوزا ؛ لأن كل واحد من الكلامين غير الآخر " . قال الماوردي : اختلاف الشاهدين في الأداء على ضربين : أحدهما : أن يكون اختلافهما في المشهود به . والثاني : أن يكون اختلافهما في الإخبار عنه . [ ص: 146 ] فأما الضرب الأول : وهو أن يكون اختلافهما في المشهود به . فصورته : أن يشهد أحدهما أنه قذفها بالعربية ، وشهد الآخر أنه قذفها بالفارسية ، فهذا اختلاف في المشهود به من القذف ، ولأن قذفها بالعربية غير قذفها بالفارسية ، ولم يشهد بأحدهما شاهدان ، فلا يثبت عليه واحد من القذفين ، وهكذا لو شهد أحدهما أنه قذفها يوم الجمعة ، وشهد الآخر أنه قذفها يوم السبت ، أو شهد أحدهما أنه قذفها بزيد ، وشهد الآخر أنه قذفها بعمرو ، أو شهد أحدهما أنه قذفها ، وشهد الآخر أنه أقر بقذفها ، أو شهد أحدهما أنه قال لها : زنيت ، وشهد الآخر أنه قال لها : يا زانية ، فهذا كله شهادة بقذفين لم يجتمعا على أحدهما فلم يجب بشهادتهما حد . وقال أبو حنيفة - رضي الله عنه - : أجمع بين شهادتهما على قذفه وأوجب عليه الحد ، وحكى محمد بن شجاع ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - أنه قال : أضم الشهادة إلى الشهادة في العقود والأقوال ، ولا أضم الشهادة في الأفعال إذا شهد عليه ببيع داره في يوم الجمعة ، وشهد الآخر عليه ببيعها في يوم السبت ، حكم عليه بالبيع ، وإذا شهد عليه أحدهما بقذفها يوم الجمعة ، وشهد الآخر عليه بقذفها في يوم السبت ، حكم عليه بالقذف ، ولو شهد عليه أحدهما بالقتل في يوم الجمعة ، وشهد الآخر عليه بالقتل في يوم السبت لم يحكم عليه بالقتل . ولا يجوز على مذهب الشافعي - رضي الله عنه - أن تضم الشهادة إلى الشهادة في العقود والأقوال ، كما لا يجوز أن تضم في الأفعال ، لأن الفرق بينهما مفقود ، ولأن المشهود به في الجميع مختلف . فصل : وأما الضرب الثاني : وهو أن يكون اختلافهما في الإخبار عنه ، فصورته أن يشهد أحدهما على إقراره بالعربية أنه قذفها ، ويشهد الآخر على إقراره بالفارسية أنه قذفها فهذا قذف واحد ، قد اختلف في الإخبار عنه فكملت به الشهادة ووجب به الحد ، وهكذا لو شهد أحدهما على إقراره بقذفها يوم الجمعة ، وشهد الآخر على إقراره في يوم السبت بقذفها ؛ لأنه في كلا اليومين مقر بقذف واحد ، فكملت فيه الشهادة ، ويجب فيه الحد ، ولكن لو شهد أحدهما على إقراره في يوم السبت أنه قذفها فيه ، وشهد الآخر على إقراره في يوم الأحد أنه قذفها فيه فهما قذفان لم تكتمل الشهادة في أحدهما فلم يجب عليه الحد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية