الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وأي مدة ؟ قلت له : نفيه فيها فأشهد على نفيه وهو مشغول بما يخاف فوته أو بمرض لم ينقطع نفيه " . قال الماوردي : وهذا صحيح : إذا قيل : إن نفيه على الفور ، أو قيل : إنه مؤجل في نفيه ثلاثا فمضت صار الخيار عند انقضائها على الفور ، والحكم في الحالين حينئذ واحد ، وإذا كان كذلك فالفور في نفيه معتبر بثلاثة شروط . الشرط الأول : العلم بولادته ، فإن لم يعلم به حتى تطاول به الزمان كان على نفيه ، فإن نوزع في العلم ، لم يخل من أن يكون غائبا أو حاضرا ، فإن كان غائبا قبل قوله : إنه لم يعلم ، وإن كان حاضرا لم يخل إما أن يكون معها في دار واحد أو في دارين ، فإن كانا في دار صغيرة لا يخفى ولادتها على من فيها لم يقبل قوله : إنه لم يعلم ، وإن كان في دار تلتها نظر ، فإن شاع خبر ولادتها في الجيران لم يقبل قوله : إنه لم يعلم لاستحالته ، وإن لم يشع الخبر في جيرانه قبل قوله في عدم العلم لإمكانه . والشرط الثاني : أن لا يكون له عذر قاطع عن نفيه ، والأعذار القاطعة : أن يكون محبوسا ، أو مريضا ، أو مقيما على مريض لا يقدر على تركه ، أو مقيما على حفظ مال يخاف من تلفه ، أو مستترا من ذي سطوة يخاف ظلمه أو طالبا لضالة يخاف موتها أو مقيما على إطفاء حريق ، أو استنقاذ غريق ، إلى غير ذلك من الأعذار التي يجوز معها ترك الجمعة . فلا يلزمه الحضور معها ، ثم ينظر فإن قدر معها على مراسلة الحاكم بحاله فعل ، وإن قدر على الإشهاد على نفسه فعل ، وإن قدر عليهما أو على أحدهما فلم يفعل ما قدر عليه منهما لزمه الولد ، وإن لم يقدر على واحد منهما لم يلزمه ، وكان له نفيه . والشرط الثالث : الإمكان من غير إرهاق يخرج عن العرف ، فإن كان ليلا فحتى يصبح . وإن كان في وقت صلاة فحتى يصلي ، وإن حضر طعام فحتى يأكل ، وإن كان يلبس ثيابا بذلة لا يلقى الحاكم بها فحتى يلبس ثياب مثله ، وإن كان ممن يركب فحتى يسرج مركوبه ، وإن كان له مال بارز فحتى يحرز ماله ، فهذا كله وما شاكله معتبر في [ ص: 151 ] مكنته ، ولا يمتنع من نفيه ، فإذا تكاملت هذه الشروط فقد تعين الفور ولزم تعجيل النفي ، فإن لم يبادر إليه لزمه الولد ، ولم يكن له نفيه . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية