الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما اجتماع العدتين في حق الرجل الواحد فعلى ثلاثة أقسام : أحدها : أن تكون العدة الأولى عن عقد ، والعدة الثانية عن وطء شبهة . والقسم الثاني : أن تكون الأولى عن وطء شبهة ، والثانية عن عقد . والقسم الثالث : أن تكون كل واحدة من العدتين عن عقد . [ ص: 294 ] فأما القسم الأول ، وهو أن تكون العدة الأولى عن عقد ، والثانية عن وطء شبهة فصورته في رجل طلق زوجته طلاقا رجعيا ثم وطئها في عدتها فهذا الوطء محرم عليه عندنا ولا تصح به الرجعة ، وهو حلال عند أبي حنيفة وتصح به الرجعة ، وقد مضى الكلام معه في كتاب " الرجعة " وإذا كان هذا الوطء محرما فلا حد فيه لأجل الشبهة وأن الرجعية في أحكام الزوجات لوجوب النفقة ، واستحقاق التوارث ، وذلك من أقوى الشبهات في إسقاط الحد مع العلم والجهل لكن يعزران إن علما تحريمه ولا يعزران إن جهلاه ، وعليهما أن تعتد من هذا الوطء : لأنه وطء شبهة يوجب لحوق النسب ، ويدخل في عدة الوطء ما بقي من عدة الطلاق ؛ لأنهما عدتان لحفظ ماء واحد فتداخلتا في حق الرجل الواحد ، وإذا كان كذلك لم يخل حال المعتدة من ثلاثة أقسام : أحدها : أن تكون من ذوات الشهور . والثاني : أن تكون من ذوات الأقراء . والثالث : أن تكون حاملا . فإن كانت من ذوات الشهور فعليها أن تعتد بثلاثة أشهر من وقت الوطء يدخل فيها ما بقي من عدة الطلاق ، فإن كان الوطء بعد أن مضى من عدة الطلاق شهر وبقي منها شهران كان الشهر الأول ، والشهر الثاني من العدتين من عدة الطلاق ، ومن عدة الوطء ولها فيهما النفقة ، وله فيهما الرجعة ، وإن وطئها فيهما لم يحد وكان الشهر الثالث مختصا بعدة الوطء لا نفقة لها فيه ولا رجعة له فيه ، وإن وطئها فيه فعليه الحد ، وإن كانت من ذوات الأقراء اعتدت بثلاثة أقراء من وقت الوطء ، وأجزأها عن العدتين فإن كان الوطء بعد أن مضى قرآن من عدة الطلاق كان القرء الأول آخر عدة الطلاق ، وأول عدة الوطء وله فيه الرجعة وعليه فيه النفقة ولا حد عليه إن وطئ فيه ، وكان القرآن الآخران مختصين بعدة الوطء ليس له فيها رجعة ولا عليه فيهما نفقة وإن وطئها فيهما حد . وإن كانت حاملا لم يخل حملها من أحد أمرين : إما أن يكون متقدما قبل الطلاق أو حادثا بعد الوطء ، فإن كان متقدما قبل الطلاق فعدتها من الطلاق تكون بوضع الحمل ، وعدتها من الوطء تكون بالأقراء ، وهما جنسان وفي تداخلهما وجهان : أحدهما : يتداخلان في الجنس الواحد ، فعلى هذا تنقضي عدتاها بوضع الحمل وله الرجعة ما لم تضع وعليه النفقة ، وإن وطئها فلا حد عليه . والوجه الثاني : لا يتداخلان : لأن اختلاف الجنسين يقتضي اختلاف الحكمين [ ص: 295 ] فلم يجز أن يتداخلا مع اختلاف الجنس والحكم ، وهكذا لو زنا بكرا ثم زنا ثيبا ففي تداخل الحدين وجهان ، فعلى هذا إذا منع من تداخل هاتين العدتين لم يخل حالها في الحمل من أن ترى عليه دما أو لا تراه ، فإن لم تر دما انقضت عدة الطلاق بوضع الحمل ، وله ما لم تضع أن يراجع وعليه النفقة ، فإذا وضعت استأنفت عدة الوطء بثلاثة أقراء بعد النفاس ولم يكن له فيها رجعة ولا عليه فيها نفقة ، وإن كانت ترى على الحمل دما فقد اختلف قول الشافعي ، هل يكون دمها على الحمل حيضا أم لا على قولين : أحدهما : وبه قال في القديم : يكون دما فعاد ولا يكون حيضا ، فعلى هذا تكون في حكم من لم تر على الحيض دما في أن عدتها من الطلاق بوضع الحمل ، ومن الوطء بثلاثة أقراء بعد النفاس . والقول الثاني : وبه قال في الجديد أن الدم على الحمل يكون حيضا ، فعلى هذا تكون عدتها من الطلاق بوضع الحمل وعدتها من الوطء تكون بالأقراء التي على الحمل ولا يمتنع أن تعتد هذه الحامل بالأقراء التي على الحمل ، وإن لم تعتد غيرها به ؛ لأن على هذه عدتين إحداهما بالحمل فجاز أن تكون الأخرى بالأقراء التي على الحمل وغيرها ليس عليها إلا عدة واحدة فلم تعتد إلا بالحمل ، فإذا كان كذلك نظر فإن استكملت ثلاثة أقراء قبل وضع الحمل فقد مضت عدة الوطء وتصير هذا الموضع متقدمة على عدة الطلاق وتنقضي عدة الطلاق بوضع الحمل وله الرجعة ما لم تضع وعليه النفقة ، وإن وضعت حملها قبل استكمال ثلاثة أقراء انقضت عدة الطلاق بوضعه ، وسقطت عنه النفقة وبطلت الرجعة ، ولزمها أن تكمل بعد الوضع ما بقي من عدة الوطء ، وإن كان الحمل حادثا بعد الوطء فعدة الطلاق بالأقراء ، وعدة الوطء بالحمل ، وفي تداخلهما مع اختلاف جنسهما ما ذكرنا من الوجهين : أحدهما : يتداخلان ، فعلى هذا تنقضي عدتاها بوضع الحمل ، وله ما لم تضع الرجعة ، وعليه النفقة . والوجه الثاني : لا يتداخلان ، فعلى هذا إن لم تر على الحمل دما أو رأته ولم تجعله حيضا انقضت عدتها من الوطء بوضع الحمل ، وتكون عدة الوطء هاهنا متقدمة على عدة الطلاق ، فإذا وضعت حملها استكملت ما بقي من عدة الطلاق ، فإن كان الماضي منها قبل الوطء قرء أتت بقرأين ، وإن كان الماضي منها قرآن أتت بقرء واحد ، وله أن يرجعها في الباقي من أقراء الطلاق بعد الحمل ، وعليه فيه النفقة ، وفي مراجعتها ووجوب نفقتها قبل وضع الحمل وجهان : [ ص: 296 ] أحدهما : لا رجعة له ، ولا نفقة عليه ؛ لأنها عدة من وطئ فعلى هذا لو وطئها في الحمل حد . والوجه الثاني : له الرجعة وعليه النفقة ؛ لأنه لما تعقب الحمل عدة الطلاق جرى على مدة الحمل أحكام عدة الطلاق ، فعلى هذا لو وطئها في الحمل لم يحد ، وإن رأت على الحمل دما وجعلناه حيضا اعتدت بالأقراء على الحمل من عدة الطلاق وبوضع الحمل من عدة الوطء ، فإن سبق وضع الحمل انقضت به عدة الوطء ، وأتت بالباقي من أقراء الطلاق ، وكان في الرجعة والنفقة والوطء على ما مضى ، وإن سبقت الأقراء على وضع الحمل انقضت بها عدة الطلاق ، وانقضت بوضع الحمل عدة الوطء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية