الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 372 ] مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " والوجور كالرضاع وكذلك السعوط ؛ لأن الرأس جوف " . قال الماوردي : وأما الوجور فهو صب اللبن في حلقه ، وأما السعوط فهو صب اللبن في أنفه واختلف الفقهاء في تحريم الرضاع بهما إذا وصل اللبن بالوجور إلى جوفه ، وبالسعوط إلى دماغه على ثلاثة مذاهب : أحدها : وهو مذهب الشافعي إن التحريم بهما ثابت كالرضاع . والثاني : وهو مذهب عطاء ، وداود أنه لا يثبت تحريم الرضاع بهما لقوله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم [ النساء : 123 ] والثالث : وهو مذهب أبي حنيفة أن التحريم ثبت بالوجور ، ولا يثبت بالسعوط لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الرضاعة من المجاعة والوجور يحصل به الاعتداد لوصوله إلى الجوف ، والسعوط لا يحصل به الاعتداد ؛ لأنه لم يصل إلى الجوف فأشبه الحقنة ، والدليل عليها في الوجور قول النبي صلى الله عليه وسلم : الرضاع من المجاعة والوجور يحصل به الاعتداد لوصوله إلى الجوف ، والسعوط لا يحصل به الاعتداد ما أنبت اللحم وأنشر العظم ، وهذا موجود في الوجور ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في سالم : أرضعيه خمسا يحرم بهن عليك ومعلوم أنه لم يرد ارتضاعه من الثدي بتحريمه عليه فثبت أنه أراد الوجور . والدليل على أبي حنيفة في السعوط قول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة : بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما لأن لا يصير بالمبالغة ووصول الماء إلى الرأس مفطرا كوصوله إلى الجوف كذلك الرضاع ؛ ولأن ما أفطر باعتدائه من لبنها أثبت تحريم الرضاع في زمانه كالرضاع ، فأما قوله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم فهذا يتناول الرضاع اسما ومعنى .

                                                                                                                                            وأما الحقنة ففيها قولان : أحدهما : ثبت بها تحريم الرضاع فيسقط الاستدلال . والثاني : لا يثبت بها تحريم الرضاع وإن أفطر بها الصائم ؛ لأن تأثير الاعتداء في السعوط والوجور ، وتأثيره في الحقنة غير موجود . فإذا ثبت ما ذكرناه فلا فرق في الخمس بين أن تكون كلها رضاعا أو كلها سعوطا أو كلها وجورا أو بعضها رضاعا ، وبعضها سعوطا أو بعضها وجورا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية