فصل 
إذا ادعى رد الوديعة على الذي ائتمنه وهو المالك  ، صدق بيمينه . فإن مات قبل الحلف ، ناب عنه وارثه وانقطعت المطالبة بحلفه . وإن ادعى الرد على غير من ائتمنه ، لم يقبل إلا ببينة . وتفصيله بصور . 
إحداها : إذا مات المالك ، لزم المودع الرد على ورثته    . حتى لو تلف في يده   [ ص: 347 ] بعد التمكن من الرد ، ضمن على الأصح . فإن لم يجد الورثة ، رد إلى الحاكم . وقيد في العدة هذا الجواب بما إذا لم تعلم الورثة بالوديعة ، أما إذ علموا ، فلا يجب الرد إلا بعد طلبهم . 
ولو طالبه الوارث فقال : رددته على المالك ، أو تلف في يدي في حياته ، صدق بيمينه . وإن قال : رددته عليك ، فأنكر ، فالمصدق الوارث . وإن قال : تلف في يدي قبل تمكني من الرد ، فهل المصدق الوارث كدعوى الرد ؟ أم المودع ؛ لأن الأصل براءته ؟ وجهان . 
قلت : ينبغي أن يكون الثاني أصح . والله أعلم . 
[ الصورة ] الثانية : مات المودع ، فعلى وارثه ردها    . فإن تلفت في يده بعد التمكن ، ضمن على الأصح . فإن كان المالك غائبا ، سلمها إلى الحاكم . فلو تنازعا ، فقال وارث المودع : رد عليك مورثي ، أو تلفت في يده ، قال  المتولي     : لم يقبل إلا ببينة . وقال  البغوي     : يصدق بيمينه ، وهو الوجه ؛ لأن الأصل عدم حصولها في يده . ولو قال : رددتها عليك ، فالمصدق المالك . ولو قال : تلفت في يدي قبل التمكن ، فعلى الوجهين . 
[ الصورة ] الثالثة : [ لو ] قال من طيرت الريح ثوبا إلى داره : رددت على المالك ، وادعاه الملتقط ، لم يصدق إلا ببينة . 
[ الصورة ] الرابعة : إذا أراد المودع سفرا ، فأودعها أمينا ، فادعى الأمين تلفها  ، صدق . وإن ادعى الرد على المالك ، لم يقبل ؛ لأنه لم يأتمنه . وإن ادعى الرد على المودع ، صدق ؛ لأنه أمينه . كذا ذكره   الغزالي  والمتولي  ، وهذا ذهاب إلى أن للمودع إذا عاد من السفر أن يستردها ، وبه صرح  العبادي  وغيره . وحكي عن الإمام أن اللائق بمذهب   الشافعي     - رحمه الله - ، منعه من الاسترداد ، بخلاف المودع يسترد من الغاصب   [ ص: 348 ] على وجه ؛ لأنه من الحفظ المأمور به . ولو كان المالك عين أمينا فقال : إذا سافرت فاجعلها عند فلان ، ففعل ، فالحكم بالعكس ، إن ادعى الرد على المالك ، صدق . وإن ادعاه على المودع الأول ، لم يصدق . 
[ الصورة ] الخامسة : قال المودع للمالك : أودعتها عند وكيلك فلان بأمرك  ، فللمالك أحوال : 
أحدها : ينكر الإذن ، فيصدق بيمينه . فإذا حلف ، نظر ، إن كان فلان مقرا بالقبض والوديعة باقية ، ردها على المالك . فإن غاب المدفوع إليه ، فللمالك تغريم المودع . فإذا قدم ، أخذها وردها على المالك واسترد البدل ، وإن كانت تالفة ، فللمالك تغريم أيهم شاء ، وليس لمن غرم الرجوع على صاحبه لزعمه أن المالك ظالم بما أخذ . وإن كان فلان منكرا ، صدق بيمينه ، واختص الغرم بالمودع . 
[ الحالة ] الثانية : يعترف بالإذن وينكر الدفع ، فوجهان : أحدهما : يصدق المودع وتجعل دعوى الرد على وكيل المالك كدعواه على المالك ، وأصحهما : تصديق المالك ؛ لأنه يدعي الرد على من لم يأتمنه . 
ولو وافق فلان المودع وقال : تلفت في يدي ، لم يقبل قوله على المالك ، بل يحلف المالك ويغرم المودع . 
[ الحالة ] الثالثة : يعترف بالإذن والدفع معا ، لكنه يقول : لم تشهد ، والمدفوع إليه منكر ، فيبنى على وجوب الإشهاد على الإيداع . فإن لم نوجبه ، فليس له تغريمه . وإن أوجبناه ، فعلى الخلاف السابق في الوكالة في نظير هذه الصورة . 
ولو اتفقوا جميعا على الدفع إلى الأمين ، وادعى الأمين ردها على المالك ، أو تلفها في يده ، صدق بيمينه . هذا إذا عين المالك الأمين ، أما لو قال : أودعها أمينا ، ولم يعينه ، فادعى الأمين التلف ، صدق . وإن ادعى الرد على المالك ، فالمصدق المالك ؛ لأنه لم يأتمنه ، كذا ذكروه . ولو قيل : أمين أمينه أمينه ، كما تقول على رأي : وكيل وكيله وكيله ، لم يبعد . 
 [ ص: 349 ] قلت : بل هو بعيد ، والفرق ظاهر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					